فاطمة الحاج حسين – برنامج “مارِس” التدريبي
“لم يخطر ببال أحد من أهالي الرستن شمال حمص أن تتحول مدينتهم، التي كانت تعتبر خزانًا بشريًا لضباط النظام، إلى واحدة من المدن التي ستجمع أكبر عدد من المنشقين عنه”.
تتربع مدينة الرستن فوق هضبة مطلة على نهر العاصي، في منتصف الطريق الدولي بين حماة وحمص، على مسافة 20 كيلومترًا بين المدينتين، ويربط جسرها الشهير (جسر الرستن) بين المدينتين واصلًا شمال سوريا بجنوبها.
تشرف المدينة على بحيرة صناعية خلفها سدٌ يحمل اسمها (سد الرستن)، بناه الرئيس جمال عبد الناصر على نهر العاصي عام 1958، أيام الجمهورية العربية المتحدة التي جمعت سوريا ومصر في دولة واحدة.
يزيد عدد سكان مدينة الرستن على 85 ألف نسمة، حسب آخر إحصائية لمراكز الإحصاء في عام 2011، الغالبية العظمى منهم متعلمون، حيث بلغت نسبة التعليم نحو 85%، بينهم 40 شهادة دكتوراه والعديد من الأطباء والمهندسين، بحسب إحصائيات محلية قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 2011.
يميل عدد كبير من أبنائها للانتساب إلى صفوف الجيش السوري، باعتبارها مدينة مصطفى طلاس، وزير الدفاع الأسبق والأشهر في تاريخ سوريا الحديث.
ويقدر عدد الضباط والمتطوعين في الجيش، بثلاثة آلاف عسكري بينهم أكثر من 1500 ضابط من جميع الرتب والاختصاصات ما عدا رتبة فريق (أعلى الرتب العسكرية في سوريا ولم يصل إليها إلا حافظ الأسد وابنه بشار).
موقع المدينة وما تملكه من موارد طبيعية، من نهر وبحيرة وسهول خصبة، دفع الأهالي للعمل في الزراعة، حيث تشتهر الرستن بإنتاج الحمضيات واللوزيات والحبوب، إضافة لوجود مختلف أنواع الأسماك في بحيرتها.
“ربة النهر”
بحسب الباحث عبد الرحمن أيوب في كتابه “الرستن دراسة تاريخية”، يعود تاريخ الرستن إلى النصف الثاني من الألفية الثالثة قبل الميلاد، كانت تسمى “اريتوزا”، الاسم الذي أطلقه عليها خليفة الاسكندر المقدوني، سلوكوس نيكاتور، تيمنًا بابنته “اريتوزا”، وتعني باليونانية “ربة النهر”.
تاريخيًا، وصلت إلى أوج ازدهارها في العهد البيزنطي، كما تشير المعطيات التاريخية إلى أن الرستن وقعت تحت النفوذ الروماني عام 64 قبل الميلاد، أيام القائد الروماني بومبي.
هذا البعد التاريخي أكسب المدينة غنى بمعالم سياحية، نتيجة وجود آثار قديمة، تعود إلى عهود القدماء من الكنعانيين والآراميين، مرورًا بالعهد الروماني والإسلامي.
الربيع العربي
مع انطلاق الثورة السورية في 2011، برز اسم الرستن من المدن التي شهدت تمردًا على نظام بشار الأسد، وكانت من أوائل المدن السورية التي خرجت نصرة لدرعا.
لم تقتصر مشاركة أبناء الرستن في المظاهرات التي كانت تنطلق يوم الجمعة، ونظموا تجمعات ليلية، عُرفت باسم “مسائيات الرستن”، كانت تنقل على شاشات الفضائيات.
في 27 من أيلول عام 2011 حاول النظام اقتحام المدينة، الأمر الذي قابله المنشقون المنضوون في تشكيل “حركة الضباط الأحرار” (الجيش الحر فيما بعد)، بمعركة تصدٍّ دامت أسبوعًا، وانتهت بدخول النظام المدينة.
سقط خلال تلك المعركة أكثر من 250 شهيدًا، بينهم عدد من المنشقين بحسب توثيقات ناشطي المدينة، كان أبرزهم الملازم أحمد خلف الذي خلدته كلماته الأخيرة عندما قال: “إذا رأيتم الدبابات تدخل الرستن، فاعلموا أن أحمد خلف قد مات”.
ومع تزايد وتيرة العنف من قبل النظام ضد المتظاهرين، شكلت المدينة أكبر تجمع للضباط المنشقين عن الجيش، من أبناء المدينة بالدرجة الأولى، ومن باقي المناطق القريبة منها، حتى باتت تعرف بـ “عاصمة المنشقين”.
توالت الأحداث في مدينة الرستن، وتزايد معها عدد العسكريين المنشقين، حيث قدر عددهم بـ 1500 منشق، بينهم ما يقارب 700 ضابط برتب مختلفة بحسب إحصائية للمجلس العسكري في المدينة آواخر عام 2012.
وكان الانشقاق الأبرز، ليس على مستوى الرستن فحسب، بل على مستوى سوريا، انشقاق العميد مناف طلاس، نجل وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس.
تناوبت السيطرة على المدينة، وبعد دخول النظام استعادها “الحر”، ومن ثم مرت بسنوات حصار انتهت بتهجير المعارضين إلى الشمال السوري.
في أوائل أيار من العام الماضي، توصلت لجنة التفاوض عن ريف حمص الشمالي، والوفد الروسي إلى اتفاق يقضي بدخول قوات الشرطة الروسية إليها، وخروج رافضي التسوية والمنشقين، إلى مناطق جرابلس وإدلب.
كما قضت التسوية بتسليم المعارضين السلاح الثقيل، لتخرج أول قافلة من مدينة الرستن بتاريخ 7 من أيار من العام ذاته، إلى مناطق الشمال، لتتبعها قوافل أخرى أبعدت المدنيين عن مدينتهم والمنشقين عن عاصمتهم.
–