ليس سرابًا.. ثلاثية الحب والدين والمجتمع
ينطلق مسلسل “ليس سرابًا” من جدلية كبيرة لدى المجتمع السوري، وهي الزواج المدني، وعلاقة الدين والمجتمع، من خلال قصة حب جمعت بين جلال، الكاتب والسيناريست العلماني، وحنان، المترجمة المسيحية، اللذين يتزوجان سرًا، نظرًا لتعقيدات زواج الأديان في سوريا، على الصعيد الاجتماعي على الأقل.
ينطلق المسلسل من مشهد أصوات تتعالى بحثًا عن طبيب لولادتين متزامنتين، لتبدأ علاقة جلال وميشيل، المسلم والمسيحي منذ اللحظات الأولى لحياتهما، وهي العلاقة التي ستستمر حتى النهاية، في إشارة من صناع العمل إلى العلاقة الوثيقة ما بين الديانتين، الإسلامية والمسيحية، في بلد متعدد الطوائف والعرقيات والإثنيات كسوريا، ورغم هذه الإشارة النمطية التي تكررت كثيرًا في الإعلام السوري، من ناحية تآخي المجتمع، إلا أن أحداثًا أخرى تثبت مدى الشرخ ما بينهما.
في المشهد الذي جمع بين الصديقين في الحلقة الحادية عشرة، شرح ميشيل مشكلة الزواج الديني في سوريا، بشكل كامل، وأكد أن حل هذا النوع من المشكلات لن يكون سوى بالتعليم والقانون، وهو ما يعني بالتالي العمل على أجيال سورية جديدة.
واستخدم مدير التصوير الإضاءة الخافتة في هذا المشهد، لزيادة جرعة الدراما فيه.
يحمل المسلسل بين سطوره دعوة صريحة لإنشاء قانون أحوال شخصية جديد، والسماح بالزواج المدني، كما يعالج قضايا التطرف الديني والعلمانية، وطبقات التدين سواء بين المسيحيين أو المسلمين.
وبالتوازي مع قصة الحب ما بين جلال وحنان، يشير المسلسل إلى معادلة “التطرف يجر التطرف” من خلال نقطتين، الأولى هي تطرف جلال العلماني، وآراؤه الحادة في هذا المجال، قبل تعرفه إلى حنان، وهو ما خلق له مشاكل كثيرة، تجلت بطلب منتج مسلسلاته منه بشكل مباشر تخفيف لهجة مقالاته الصحفية، لأن القنوات التلفزيونية اشتكت منه بشكل مباشر، وهددت برفض شراء أعمال سورية من كتابته (في إشارة إلى دول الخليج، والتي كانت فعليًا المستهلك الأكبر لمسلسلات الدراما السورية، وهي إشارة ذكية من الكاتب والمخرج، وترتبط أيضًا بتحكم هذه القنوات ورقابتها على الإنتاج التلفزيوني، وإن كانت هذه الرقابة بشكل غير مباشر)، وتدخلات الرقابة المحلية أيضًا وحذفها لعدد من مشاهد مسلسله.
كما يشير المسلسل إلى اتجاه المجتمع السوري نحو مسلسلات نالت الكثير من النقد بسبب المبالغة في العنتريات وإهانة المرأة، من خلال مشاهد متتالية للجميع وهم يشاهدون مسلسل “باب الحارة”، وهو المسلسل الذي تبنته قناة “MBC”.
أما النقطة الثانية المتعلقة بالتطرف، فهي ما يعاني منه ابنه عامر من عنصرية قائمة على رفض المسلمين واتهام الدين الإسلامي بالإرهاب ما بعد أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة الأمريكية. وكلا الأمرين على تناقضهما يجعلان عامر يلجأ لتكفير والده، وارتداء الزي الأفغاني في شوارع دمشق.
وفي المقابل هناك والد حنان المسيحي المتطرف، وهو لا يقل فعليًا في تطرفه عن أي متطرف آخر من أي ديانة أخرى، وبالتالي، وبحسب ما طرحه العمل، فإن ما يجمع المتطرفين من شتى الديانات أكثر بكثير مما يفرقهم.
ويناقش العمل أيضًا، عددًا من القضايا الاجتماعية، التي أثارت ضجةً كبيرة في سوريا، منها جرائم الشرف والإعلام الخاص، ودوره في طرح قضايا شائكة، من خلال ميشيل وإنشائه لمجلة خاصة حملت اسم (المزراب).
هل لدى المسيحيين خوف من المجتمع في سوريا وينظرون لأنفسهم على أنهم أقلية؟ هذا ما أثار غضب ميشيل، عندما ناقشه بشير، أحد الصحفيين المسيحيين العاملين في مجلته، فأجابه بأنه ليس أقلية وهو البلد وكل ما يخص أي فرد فيه يخصه شخصيًا بنفس الدرجة.
في صراعات متعددة ما بين التطرف والفساد والاستغلال، مضى المسلسل ضمن الخطوط الحمراء المرسومة لنقاش مواضيع كهذه في الدراما السورية، ومع عمق ما طرحه المسلسل من مشكلات إلا أنه توقف عند جواب لسؤال طرحه في الحلقة الأخيرة، ماذا لو كانت قصة الحب ما بين شاب مسيحي وصبية مسلمة؟
المسلسل من بطولة عباس النوري وكاريس بشار وسلوم حداد، سيناريو فادي قوشقجي وإخراج المثنى صبح، أنتجته سوريا الدولية في عام 2008.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :