“كان أحسن الأزمان، وكان أسوأ الأزمان. كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة. كان عهد الإيمان، وكان عهد الجحود. كان زمن النور، وكان زمن الظلمة. كان ربيع الأمل، وكان شتاء القنوط. كان أمامنا كل شيء، ولم يكن أمامنا شيء. كنا جميعًا ماضين إلى الجنة مباشرة، وكنا جميعًا ماضين إلى جهنم مباشرة”.
مقدمة لرواية تحكي عن الثورة التي قلبت الموازين العالمية، والتي انبثقت من حالك الظلمات لتشع صارخة بالحرية والمساواة والإخاء، قصة ثورة الجياع التي تحولت لحقبة من “الإرهاب”.
كلمات الكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنز في روايته “قصّة مدينتين” تكاد تنطبق حرفيًا على واقع الحراك السوري، بكل ما حمله من أحلام وآمال وما اغتاله من ضياع واقتتال.
قصة تاريخية خيالية، تجري أحداثها في مدينتي لندن وباريس قبل وخلال الثورة الفرنسية من عام 1775 وحتى 1792.
تبدأ مع اكتشاف بطلة القصة، لوسي مانيت، أن والدها “انبعث من الموت” بخروجه من سجن “الباستيل” والذي قضى فيه 18 عامًا، أحالته مجنونًا فاقدًا لإدراك الذات وما يحيطه من حياة.
وتتابع الأحداث عارضةً تنامي بواعث الغضب الشعبي في فرنسا من عنجهية طبقة الأغنياء واستهتارهم بأرواح الفقراء وحاجاتهم، مع سردٍ لقصة حب ثلاثية الأطراف في لندن بين لوسي وتشارلز الفرنسي، وشبيهه البريطاني، سيدني.
عام 1789 اندلعت الثورة الفرنسية التي أسقطت الملكية وأهم رموزها القمعية أولًا، سجن الباستيل، ثم تاهت في غياهب “عصر الإرهاب” الذي تفجر من الرغبة المحمومة بالانتقام، وشهد أحكام إعدام جماعية لكل من وصف بعدائه للثورة والشعب.
استهدفت الإعدامات بداية أفراد الطبقة الغنية من الأرستقراطيين، ومن ثم استعرت في أهلها مع التخوين والاتهامات، ولم تحتج إلى الكثير من الدلائل أو الإثباتات على الفساد والعداء للشعب قبل إحالة المتهمين إلى حد المقصلة.
وخلال هذه المعمعة يقع بطلا الحكاية العاشقان لامرأة واحدة في وجه مخاطر مهلكة، تطرح أمامهما أصعب الخيارات من استغلال تقلبات الزمن لصالح السعي وراء الحب والأنانية، أو بذل الروح في اتباع مسار المبادئ والقيم.
نهاية الرواية، التي تعرض ببراعة ما تعانيه النفس البشرية خلال اللحظات الأخيرة من حياتها المهدورة، لا تقدم حكمًا أو خاتمة أخلاقية متعالية عن الواقع بل تحتضنه وتدخل في زواياه، مخلفة في نفس القارئ حسرة وعتابًا مع إعجاب وأمل.
نُشرت الرواية عام 1859 على شكل مقاطع وزعت على 31 أسبوعًا، وتعتبر من الأفضل مبيعًا على الإطلاق، ومع اعتبار كاتبها من أعظم الروائيين الإنجليز في عصره، إلا أنه واجه نقدًا باعتماده على مصادر تاريخية غير مؤكدة لوصف الجانب الفرنسي.