محمد أوسو.. مستهلكًا ما استهلكه
نبيل محمد
كانت المشكلة الحقيقية أن يعود محمد أوسو بمثل هذا، وأن يفكّر أصلًا في إنتاج عمل درامي متأطر بتفاصيل مشتتة، ملتزمة بنمطية شخصياته السابقة، وأن تكون النكتة السريعة التي من الصعب بمكان أن تجد من يضحك عليها بعد استهلاكها لسنوات، هي ثيمة عمله “الأعدقاء” الذي يقدّم عبر منصة يوتيوب، المنصة التي تحتوي ما تحتويه من منتجات تشابه هذا العمل، وترفع يوميًا، وتستهلك.
يصبح أحيانًا فقر الإنتاج مكانًا يختبئ خلفه الفنان، ليتم التغاضي عن ضعف البنية البصرية، أو التقنيات، أو حتى الكوادر العاملة، وهو ما يبرّر عادةً لأي عمل سوري جديد ينتج في الخارج، في ظل عدم قدرة الكثير من الفنانين والمخرجين الذين غادروا بلادهم لاجئين إلى أوروبا أو أمريكا أو سواهما على إيجاد مؤسسة تموّل مشاريعهم، إلا أن هذا التبرير عادةً ما يطال عملًا يحمل فكرةً أو ثيمةً واحدة متميزة، أو ربما نصًا مشوقًا، وجملًا ذات مغزى، أو شخصيةً متميزة بأدائها، عملًا يمكن أن يكون أرضية لأعمال أخرى، أو فكرة يمكن تطويرها في المستقبل. هنا في الأعدقاء ينهار تمامًا جدار فقر العمل، ولا يستطيع أي من القائمين عليه الاختباء خلف ضعف الإنتاج، حيث لا جدار يحمي هذا العمل أبدًا.
عاش محمد أوسو في أواسط السوريين، كفنان ذي شخصية متميزة ببساطتها وخفة ظلها، بدءًا من شخصية “كسمو” في مسلسل بكرا أحلى، ثم شخصية “سلطة” في مسلسل كسر الخواطر، لتتحول مشاهده إلى فيديوهات تتناقلها الهواتف المحمولة، ويحوز أسلوبه الكوميدي على إعجاب فئة كبيرة من الجمهور السوري. هذا الوقع الحسن الذي تناله الشخصية الفنية، كثيرًا ما يكون مطبًا عندما يتجه الفنان للبناء عليه وحيدًا، وعندما يعتمده كثيمة فنية قادرة على تكوين عمل درامي متكامل. فكسمو لا يمكن أن يكون إلا كسمو، وكذلك سلطة، وهو خطأ وقع فيه أوسو، حد ضياع معالم الجمال في الشخصيات السابقة. ببساطة يمكن القول لم تعد شخصيتا كسمو أو سلطة على حالهما بعد الأعدقاء، لقد فقدتا الكثير مما كان ممتعًا فيهما.
الأعدقاء عمل درامي، يحكي حياة شاب سوري (محمد أوسو) لجأ إلى أمريكا، ودخل فيما يبدو في دوامة من المشكلات المرتبطة بأسرته في سوريا، وبفتاة كانت تطلب منه المساعدة قبل أن يعرفها شخصيًا، وبصديق استدان منه المال ولم يرجِعه، هذا ما يبدو من خلال الحلقتين الأولى والثانية، حيث يعج العمل بالأخطاء البنيوية التي قد تسهم في خطأ كامل بالفهم، وفي تضليل المشاهد، ويعج بالكوميديا التي وجدت في غير مكانها كليًا، والتي يبدو أن أوسو أراد فقط توظيفها، بغض النظر عن المكان التي يجب أن توظّف فيه. يمكن أن تجد جملًا مكررة مستهلكة تحمل تلاعبًا لفظيًا أكل الزمان عليه وشرب، مرتبطةً بمشهد عن الموت أو الفقر، في موقع تحتاج فيه الكوميديا أن تكون غاية في الخفة وإمكانية القبول ليتم استخدامها.
مجموعة من الممثلين يبدو أن خبرتهم قليلة أو معدومة، فبرودة أداء مجمل الممثلين بمن فيهم أوسو ذو التجربة الغنية إلى حد ما، يجعل وقع العمل مسطحًا غير قادر على استخدام الكوميديا العابرة فيه لينهض. حركة بطيئة تمنع الحدث أصلًا من المرور، اتصالات هاتفية تملأ حيزًا واسعًا من العمل، مهمتها الوحيدة محاولة وضع المشاهد في صورة الحدث، الحدث الغائب تمامًا، ليس نتيجة ضعف أسسه الفنية، وصنّاعه، بل بفعل عدم وجوده أصلًا بشكل مقنع حتى الآن.
فقير هو المنتج الفني السوري خارج سوريا، بحاجة دائمًا لدعم بأي شكل من الأشكال، مؤسسات يمكنها أن تموّل، فضائيات ومنصات يمكنها أن تعرض بتكاليف قليلة، خبراء من مختلف الاختصاصات الفنية يمكنهم أن يعملوا متطوعين أو بأجور زهيدة، تغاض من المختصين والكتاب عن فقر الإنتاج. هذا كله يصح في حالة وجود منتج له معالم ورسائل واضحة على الأقل. في حالة الأعدقاء، قد يكون عدم وجود الداعم هو تمامًا المطلوب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :