محمد رشدي شربجي
قلت في مقال سابق إن القابض على عقله كالقابض على الجمر هذه الأيام، وإن العالم يعطي المسلمين بقصد وبغير قصد كل يوم ألف ذريعة ليجنّوا ويفقدوا عقولهم ويدخلوا في العدمية، ولا يقدم لهم أي شيء لإبقائهم في المجال الطبيعي.
ماذا يعني أن توضع جماعة الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب، وأن يستقبل العالم في ذات الوقت السيسي كرئيس شرعي يفرد له السجاد الأحمر في كل مكان؟ ماذا يعني أن ينقلب على رئيس شرعي منتخب ويرمى في السجن، ثم فوق ذلك يحاصر أنصاره في العالم بتهمة الإرهاب؟ ماذا يعني أن يكون الإخوان على هذه القائمة وبشار الأسد رئيسًا في قصر المهاجرين؟ ماذا يعني ذلك غير أن العالم يثبت لنا أن ما يقوله أبو بكر البغدادي صحيح، وأن الحل الوحيد لهذا العالم هو دماره وتخريبه؟
لا شك أن ترامب كاره للإسلام ويتمنى زواله، ولا يخفي احتقاره للمسلمين وكراهيته لهم، وهو يعلن ذلك كل فترة، حتى السعودية التي يدافع ترامب عنها داخل دوائر القرار الأمريكي، يصر على إظهارها بمظهر الذليل العاجز عن حماية نفسه، الذي ليس لديه شيء غير المال ليقدمه.
وليس خفيًا أن ترامب ليس ظاهرة منفردة، بل يأتي في إطار موجة عالمية ينتعش فيها اليمين المتطرف في عدة بقاع من العالم، من البرازيل، التي كانت يومًا أكبر داعمي قضايا العرب في أمريكا اللاتينية، إلى الصين التي تحتجز ملايين المسلمين الإيغور في معسكرات اعتقال، لا يسمع المسلم إلا صوت الكراهية والحقد والتخويف.
حتى ماكرون المحسوب على التيار الليبرالي الديمقراطي الأوروبي لا يتبنى بالضرورة موقفًا مختلفًا، فقد قال إن على فرنسا أن تكون أكثر حسمًا مع الإسلام السياسي، بل تراه يحذر في كل مناسبة من ”الإرهاب الإسلامي”.
في تعليقها على محاكمة الزعيم النازي إدولف آيشمان في إسرائيل، رأت الفيلسوفة اليهودية، حنا أرندت، أن آيشمان لم يكن معاديًا للسامية متعطشًا للدماء كما يتخيل البعض، بل كان شخصًا مثقفًا وله حياة اجتماعية راقية، لقد كان باختصار بيروقراطيًا. كان نقد أرندت -والذي تسبب بهجوم عليها حتى إنها اتهمت بالخيانة للشعب اليهودي- منصبًا في حقيقته على الحداثة، هذه الحداثة التي لا تنتج إلا “هولوكوست” بحسب تعبير الفيلسوف الهولندي البولندي زيجوند باومان.
يحيي العالم هذه الأيام ذكرى الهولوكوست، الذي راح ضحيته حوالي ستة ملايين من اليهود، الهولوكوست نفسه كان ذريعة الغرب الخارج لتوه من الحرب العالمية الثانية لارتكاب هولوكوست آخر في الشرق الأوسط.
في ذكرى الهولوكوست ينتشر خطاب الكراهية ضد ضحايا جدد وبدعم من ضحايا قدماء.