بعد خروجهنّ من المعتقل تحتاج الناجيات إلى خدمات عدة نفسية وجسدية واجتماعية، إلى جانب الحاجة للشعور بالمؤازرة والدعم والتقبل من المجتمع المحيط، ليساعدهن ذلك على البدء بحياة جديدة وتجاوز ما مررن به من مشاهد مؤلمة.
ومن الجهات الفاعلة في مجال دعم الناجيات من الاعتقال، منظمة “مستقبل سوريا الزاهر”، التي حدثتنا مديرتها التنفيذية الدكتورة هالة الغاوي، عن الأنشطة والبرامج التي أسهمت من خلالها المنظمة بتقديم أشكال عدة من الدعم لهنّ.
وأوضحت الغاوي لعنب بلدي أن المنظمة تختص بتقديم خدمات الدعم النفسي الاجتماعي والصحة النفسية والحماية، مشيرة إلى أنه من ضمن الفئات التي تستهدفها المنظمة بالأنشطة المذكورة فئة المعنفات ومنهنّ الناجيات من الاعتقال، كما أنها تعمل على تقديم الدعم لعائلات الناجيات وعائلات المفقودات والمفقودين.
معاناة الناجيات تفوق كل أنواع المعاناة
وأكدت الغاوي أن حجم المعاناة والمشاكل لدى فئة الناجيات من الاعتقال تفوق ما تطاله غيرها من فئات الشعب السوري المتضررة، كالتي تواجه صدمات نفسية نتيجة التهجير أوالقصف أو الانتهاكات الأخرى التي تحدث في سوريا، وذلك نظرًا لاحتكاكهنّ المباشر مع الجاني الذي يقوم بتعذيبهنّ لفترة طويلة من الزمن، الأمر الذي تسفر عنه آثار نفسية عميقة لديهنّ.
وبالإضافة لأعراض القلق وتجنب معايشة الحدث، والكوابيس التي يعانين منها، فإنّ ما حدث مع الناجيات يثير لديهنّ أسئلة وجودية حول معاني العدل والإنسانية في هذه الحياة، وربما يفقدن إيمانهنّ بكثير من المعتقدات، وهذه من المؤشرات التي تدل على حجم الرض النفسي الكبير الذي تعرضن له.
وعلاوة على ذلك يضاف لاعتقال النساء بعد آخر، ففي حين يُنظر إلى الذكر الناجي من الاعتقال على أنه بطل، تعاني الفتاة أو المرأة المعتقلة من الوصمة والعار ونبذ المجتمع لها وتحميلها المسؤولية عما حلّ بها، وقد يصل ذلك في بعض الأحيان إلى حد القتل أو الطرد من المنزل.
خدمات متكاملة
وكمنظمة مختصة في هذا المجال، تحاول التعامل بمقاربة متكاملة مع موضوع الناجيات، ومراعاة مختلف الاحتياجات النفسية والجسدية والاجتماعية والروحية لهنّ.
كما تعمل المنظمة على رفع الوعي لدى المجتمعات المحلية تجاه قضية الناجيات من الاعتقال وحقوقهنّ، والتعريف بالأزمات التي يتعرضن لها هنّ وأسرهنّ، وإبراز أهمية تقديم الدعم الكافي بما يضمن مساعدتهنّ على تجاوز الآثار النفسية والاجتماعية الناجمة عن الصدمات التي تعرضن لها.
مدى الاحتياج أكبر من الخدمات المقدمة
وبيّنت الغاوي أن الخدمة النفسية للناجيات في المنظمة تُقدّم على مستويات عدة تبعًا للمستوى الذي تعانيه الناجية، فكلما زاد المستوى تطلب ذلك مهارات وإشرافًا على مستوى أكبر.
كما أن رحلة العلاج وإعادة التأهيل والدمج بالمجتمع قد تتطلب أحيانًا فترات طويلة، وانخراط عدد أكبر من العاملين بالاختصاصات المختلفة لتقديمها بالشكل المناسب.
ولفتت الغاوي إلى أن الخدمات التي تُقدم لفئة الناجيات بشكل عام وخاصة في الداخل السوري، لا يتم تقديمها بالشكل الكافي من ناحية الكم والنوع، وهي لا تغطي مدى الاحتياج، فالأمر يتطلب بناء قدرات على مستوى أكبر لتحسين الوصول، واعتماد الإشراف لضمان جودة العمل.
كما يستوجب ذلك دمج الخدمات المقدمة لهذه الفئة مع الخدمات الأخرى كالطبية وبرامج الحماية وغيرها، من أجل زيادة الوصول لهذه الفئة المتضررة وتحسين قبولها في المجتمع، فلذلك دور محوري ومهم في مساعدتهنّ وتأهيلهنّ على المدى القريب والبعيد.
منظمة “مستقبل سوريا الزاهر” هي منظمة إنسانية، غير حكومية وغير ربحية، بدأ مؤسسوها في عام 2008 بالعمل في سوريا مع مجموعة من الاختصاصيين وغير الاختصاصيين المهتمين بالمجالات النفسية والاجتماعية والتنموية، تحت اسم “المجموعة النفسية السورية”، وفي عام 2012 انتقل مؤسسوها للعمل في الأردن، وبدؤوا بمشروع أطلقوا عليه اسم “كيفكم” تضمّن زيارة اللاجئين السوريين، والمرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية، وفي عام 2013 سجلت “مستقبل سوريا الزاهر” رسميًا في الأردن من قبل اختصاصيين أردنيين تحت اسم “المستقبل الزاهر للصحة النفسية”، حيث بدؤوا بتنفيذ المشاريع في عمان وإربد ومخيم الزعتري وفي الداخل السوري، وفي عام 2014 سُجلت المنظمة رسميًا في تركيا تحت اسم “مستقبل سوريا الزاهر”.
–