إصدارات “الدولة الإسلامية” تجوب شوارع الجزيرة بين الاستعراض الإعلامي والفبركة
على الباب الرئيس لحديقة الرشيد في مدينة الرقة، أنشأ تنظيم “الدولة” نقطة إعلامية توزع إصداراته من الألبومات والأفلام، وتحاول تغطية حركة المقاتلين العسكرية وأعمالهم المدنيّة إضافة إلى أناشيد جهادية تذاع بصوت مرتفع.
وتوزعت هذه النقاط الإعلامية في مختلف أحياء الرقة الرئيسية، حيث لا تكاد تخلو ساحة من ساحات المدينة، ويعتبرها التنظيم ضرورية لإيصال “فكر الدولة” والمعارك التي تخوضها. يقول أبو عبد الله، أحد أنصار التنظيم في مدينة الرقة، لعنب بلدي “هذه المراكز مهمة لمقاومة التضليل الإعلامي الذي يتعرض له المدنيون في أركان الدولة الإسلامية’’.
وخصص التنظيم عددًا من السيارات التي تجوب شوارع الرقة مستخدمة مكبرات الصوت وتوزّع الإصدارات المرئية والمسموعة الصادرة عن الجناح الإعلامي، لكن توزيع هذه الإصدارات في أحياء المدينة وريفها هو أحد المخاطر التي يشير إليها الأهالي والناشطون خوفًا من استهدافها.
غسيل العقول
يعمل عدد من عناصر التنظيم في هذه النقاط، وأغلبهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 18 عامًا، مُوزعين ما يصدر عن التنظيم من قرارات، إضافة إلى منشورات توثق أهم أحداث اليوم في “دولة الخلافة” وإنجازات الإدارات أو “الدواوين” كما يطلق عليها هنا، كما تنقل آخر التحركات العسكرية التي ينفذها التنظيم على مختلف الجبهات.
أوراق كتبت بأسلوب بسيط يحاول القائمون عليها محاكاة الجرائد الرسمية التي تصدر في جميع دول العالم، ورغم بدائية التجربة إلا أنها تخضع للتطوير المستمر كما يقول أبو مصعب، أحد العاملين في مجال “الدعوة والإعلام” كما يحب أن يقدم نفسه.
الشاب الذي يبلغ 17 عامًا يقف محتارًا عند سؤاله عن مدى مصداقية الأخبار التي تنشر في هذه الأوراق وهل يتم نقل ما يجري فعلًا على الأرض، إذ يجيب بتردد ’’إن المعارك قد تفرض علينا أن نغير قليلًا في بعض الكلمات وأن نقدم الدعم للمجاهدين ونعمل على رصّ الصفوف خلفهم”.
كلمات أبو مصعب تقدّم جزءًا من الحقيقة التي أفلتت منه، دون إدراك بأنه اعتراف بتزوير الحقائق وتزييف ما يجري ومحاولة جره لصالح التنظيم.
يقول أبو محمد، وهو ناشط إعلامي يعمل بالخفاء، لعنب بلدي “ما ينشر من أكاذيب يأتي بإرشاد ومباركة من شرعيي الدولة الذين يصرحون جهارًا بأن الكذب على ذوي الأهواء جائز”.
” كذبٌ مشرعن” يؤكد أن التنظيم يمارس هذا الأسلوب بشكل واسع تزامنًا مع نشر الإشاعات التي ترفع من معنويات عناصره، وقد حدث أن احتفل عدد كبير من عناصر التنظيم بأفراح وهمية منها زعمهم باستعادة كوباني (عين العرب) وأسرهم لمئات الأكراد و”توبة” مئات آخرين.
حسن أحد الناشطين في مجال الدعم النفسي يؤكد أن استخدام التنظيم لهولاء الشباب ليس عشوائيًا بل هو سياسة مدروسة لسهولة التعامل معهم وطبع مفاهيم “الدولة” وتصوراتها في أذهانهم دون إخضاعها للمناقشة أو التساؤل.
ماذا وراء التقنيات العالية
وضوح الصور والتقنيات العالية المستخدمة في التصوير يبيّن مدى اهتمام التنظيم بإعلامه الذي يمثل له وسيلة هامة لاستقطاب الأموال والأشخاص؛ عملية مركزة تخضع للدراسة والبحث بشكل حرفي يكاد يوازي إنتاج الأفلام السينمائية، كما يروي عبود، أحد أهالي ريف دير الزور وشاهدٌ على عمل عددٍ من المصورين الذي يشرف عليهم شخص يوجه حركتهم وحركة المقاتلين.
ويبيّن عبود أن العناصر قد يعيدون حركتهم عدة مرات حتى تؤخذ اللقطة بالشكل المطلوب والمثالي الذي يراه “المخرج”، على حد تعبير الشاب المذهول مما شاهده، “لقد تعودنا أن نرى أحد الإعلاميين مع كتائب الجيش الحر وبقية التنظيمات المتواجدة في الساحة السورية، لكنني لأول مرة أرى هذا الشكل الاحترافي من التصوير الذي يحول مسارح العمليات إلى موقع تصوير متكامل وبشكل احترافي’’.
ويعبّر العديد من الناشطين لعنب بلدي عن اهتمام التنظيم بما يبث من مشاهده المختارة بعناية والكادر الذي يعمل في غرف خاصة يغلب عليها شباب من أبناء المنطقة ولكن بتوجيه من محترفين أجانب، قلّما يظهرون إلى العلن.
وبالتوازي مع الأفلام يخرّج إعلام “الدولة” رسائل موجهة وترجمات احترافية للغرب، ولو أنّ كاتبي السيناريوهات غير معروفين، إلا أن من ينطق بها في التسجيلات هم المهاجرون الذين تعتبر هذه اللغات لغتهم الأم.
ثورة مستمرة
يحاول عدد من الناشطين التصدي لإعلام التنظيم بعدة طرق منها نشر صور عناصر التنظيم إلى العالم وانتهاكاتهم المستمرة بحق الأهالي والناشطين، كما يقول أحد الناشطين الذي أطلق على نفسه لقب “الدير المظلومة من الدولتين”، ويضيف “نحن نقف بوجه عدوين في وقت واحد: النظام والتنظيم وكل منهما يمتلك ماكينة إعلامية وعسكرية ضخمة”.
التنقل والتصوير ونقل الأحداث بشكل مستمر أصبح عملًا مرهقًا للناشطين فضلًا عن خطورته التي تفضي إلى الموت المحتم تحت “السيف الداعشي” في حال تم اكتشافهم، وقد تم قتل العديد من الناشطين وصلبهم والتمثيل بجثثهم بتهمة تصوير مقرات التنظيم أو التعامل مع جهات خارجية، لكن هذه المخاطر لم تنجح في إيقافهم وإبعادهم عن طريق الثورة كما يعبر الكثير منهم.
يقول أحد الناشطين العاملين داخل المناطق التي تسيطر عليها “الدولة” لعنب بلدي ’’إن تعاطف الأهالي معنا ومحاولتهم مساعدتنا رغم الخوف من بطش التنظيم يدفعنا للاستمرار رغم كل المخاطر… لقد خرجنا لرفع الظلم عن أهلنا ونحن مستمرون في هذا الطريق حتى آخره”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :