عنب بلدي – خالد خليل
ثمة صورة خرجت من وسط الحدث السوري المتشابك والمعقد، لأعضاء الائتلاف السوري المعارض، ينتصبون واقفين على منصة، ويقول الخبر المرافق لهذه الصورة، والمنشور على موقع الائتلاف وتداولته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، إن “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية افتتح، يوم الأربعاء 24 من نيسان، مقره الرئيس في ريف حلب الشمالي بحضور رئيس الائتلاف الوطني السوري الأستاذ عبد الرحمن مصطفى، ومشاركة شخصيات عديدة”.
يظهر في الصورة رجال مسنون، بربطات عنق، إن لم يكن كلهم فأغلبهم، ورؤوس تساقط عن أجزاء منها الشعر، ويسدلون على أكتافهم علم الثورة، في استرجاع و”قص ولصق” لاحتفالات حزب البعث أيام طلائع البعث والشبيبة الغابرة.
مشهد مهيب حاول صنعه رئيس الائتلاف عبد الرحمن مصطفى وآخرون من شلته، عندما ظهر في الصورة مرتديًا نظارات شمسية، كعادة الدكتاتوريين والبعثيين والقادة العسكريين الذي أشبعوا العباد فقرًا والبلاد استبدادًا وتسلطًا.
تمظهرات الإنسان جزء مما يريد إيحاءه للآخرين، أعضاء الائتلاف هنا لم يريدوا قول شيء، لأنهم لا يملكون شيئًا، عاجزون، أرادوا التقاط صورة فقط، فقالت الصورة إن المعارضة التي تحمل مطالب السوريين صورة طبق الأصل عن النظام.
تعكس الصورة كل سمات “انعدام الفعل” أو الشلل لشخوصها، وهي بحد ذاتها وبمجرد التقاطها تعتبر فعل الأفعال وقمة ما يستطيع تقديمه الائتلافيون، الذين عجزوا عن كل شيء، ونجحوا، بعد ثماني سنوات، بالدخول إلى سوريا لالتقاط صورة.
يقال في عالم الصحافة إن الصورة نصف الخبر، ولكنها هنا، تفتقد لمعلومات أو وقائع تستحق أن يكتب من أجلها خبر، فأصحبت الصورة هي الخبر، يظهر فيها لاعبو الائتلاف، بتشكيلته القديمة وسجله الحافل بالهزائم، عاجزين.
دمشق تحتفل بفقدها للبنزين
في الضفة الأخرى، صورة لا تقل انفصالًا عن الواقع، يبثها الإعلام الحكومي لاحتفالات أزمة البنزين، تذكرنا برواية قديمة أتحفنا بها هذا الإعلام ذاته، عندما أفاد أن متظاهري حي الميدان الدمشقي خرجوا لأداء صلاة الاستسقاء، في مثل هذه الأيام من عام 2011.
مشاهد مسرحية، مقرفة من شدة كذبها، بطلتها مراسلة التلفزيون الرسمي تنزل إلى أسفل إحدى السيارات لتسأل “المكنسيان”، المنهمك بالتصليح، أو لتطلب منه تمجيد أزمة المحروقات ونعمها على السوريين.
السخرية أحد الأساليب الدفاعية للتغلب على المآزق والأزمات، ولكن ما حاول الإعلام الحكومي القيام به ليس الاستهزاء من الأزمة بروح النكتة، بل الاجتهاد في إظهار أن النقمة تتحول إلى نعمة ونِعم بواسطة الفانوس السحري، إعلام النظام، الذي لا ينفك بل يزيد من وتيرة وظيفته كبوق للسلطة.
الصورة الثالثة من الجولان
إلى أقصى جنوب غربي البلاد، في الجزء المحتل، يطل علينا نتنياهو من علٍ في صورة استفزازية يلتقطها برفقة زوجته وابنيهما من فوق تلة من مرتفعات الجولان السوري المحتل، في موقع “غملا” الأثري، شرقي بحيرة طبرية.
بعد أقل من شهر من توقيع ترامب على الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تثبيت الوضع الجديد، كأي رئيس يقوم بزيارة ميدانية في المناسبات الرسمية والأعياد لتفقد العباد والبلاد.
في الصورة يظهر نتنياهو يحتضن زوجته، والابتسامة تعلو محياه، فرحًا ومحتفلًا بأيام عيد الفصح، وهو يتنزه في أرض يعتبرها مقدسة وذات “رمزية توراتية”.
الصورة أصدق نبأ
تتحالف في الصور الثلاثة “البروباغاندا” وتعكس واقع السوريين الذي تتجاذبه أطراف متناحرة فيما بينها وتتفق على إيلامهم، وهي معارضة ضعيفة مهزومة ونظام مرتهن مأزوم ومحتل أجنبي طامع.
تجليات “انعدام الفعل” و”احتراق النفس” و”سلب الأراضي” هي انتهاكات وجرائم، وثقتها الصورة، تحكي حاضر السوريين المأساوي ومستقبلهم الضائع وأرضهم المستباحة.
–