الفصام.. سلسلة الأمراض والاضطرابات النفسية للمعتقلين في سوريا
المعتقلات في سوريا ليست كالسجون، فكلمة معتقل لها دلالة مختلفة تمامًا عن كلمة السجن، ففي السجن يمكن أن تأكل وتشرب وتتواصل مع أهلك وتشاهد التلفاز، كما أن السجين يكون محكومًا بمدة معينة يعرف نهايتها.
أما المعتقل فهو محجوز في مكان قد يتعرض فيه للتعذيب في كل لحظة ولا يعرف مدى إقامته، بالإضافة إلى أنه ممنوع من التواصل مع أحد من أهله وذويه، هذا وسط انتشار الأمراض والأوبئة وسوء التغذية؛ هذه الأسباب تجعل المعتقل عرضة للكثير من الاضطرابات والأمراض النفسية، وسنناقش هنا بعض الأمراض التي يتعرض لها المعتقلون عادة.
الفصام: من أشهر وأكثر الاضطرابات النفسية التي تحدث لدى المعتقلين مرض “انفصام الشخصية” المعروف بـ (Schirophrenia)، وله مصطلح دارج عند المعتقلين وهو “الفصل”.
ويعرفه سنفورد F.Sanford بأنه أحد الأمراض العقلية، وفيه يتصف الفرد بالابتعاد عن عالم الحقيقة، ويتضمن هذا المرض الهلاوس والأفكار الزائفة أو الهذيان والانسحاب الاضطراب الحاد في الحياة الانفعالية عند المريض.
إن ما يعيشه المعتقل من ضغط نفسي كبير وعدم علمه بمصيره وبمصير أهله يجعله يصاب بهذا المرض، على اعتباره إحدى الوسائل الدفاعية لدى الفرد للخروج من هذا العالم الذي يعيش فيه.
وأغلب المعتقلين الذين يصابون بالفصام يكونون قد أصيبوا بالقلق الشديد على أهلهم وذويهم، وذلك بسبب كثرة التفكير بهم والانشغال بما آل إليه مصيرهم، ويضاف إلى ذلك القلق على مصيره بعد أشهر لا يعرف تهمته حتى وكيف سينتهي به المطاف.
كل هذه العوامل مع الأوضاع الصحية السيئة تدفع الفرد بمحاولة الهروب من هذا الواقع الذي يعيشه، ويبتدئ الأمر بأن يسرح بخياله ويصور لنفسه أنه قد خرج وأنه قد لاقى أهله وأحبته، وسرعان ما يتطور الأمر إلى أن يصبح عالمًا كاملًا يعيش فيه دون أن يشعر بعالمه الحقيقي الذي يعيشه.
محمد، أحد المعتقلين الذين كنت معهم في تلك الحالة، حتى أني ناديته مرة فقال لي: “أنا أتكلم على الجوال مع ابنتي ومشغول”، ومع زيادة فترة عيشه في هذا العالم لم يعد مهتمًا بأن يأكل ويشرب، فهو يتغذى في عالمه الخيالي ولم يحاول أن يعتني بصحته كونه “بخير” في ذلك العالم… غرقه في هذه الحالة أدى به في النهاية إلى الموت بسبب الضعف الجسدي وسوء التغذية.
أما زاهر، إحدى الحالات التي قابلتها، فكان على شفا حفرة من الوقوع في الفصام، لكننا تمكنا من إخراجه من الحالة، وذلك بإقناعه بأن أهله سعداء الآن وأنه سيمضي عامًا في المعتقل ثم يخرج وما عليه سوى الاهتمام بنفسه حتى يخرج بصحة جيدة ويرى ذويه.
هذه بعض الحالات التي قابلتها، لكن الكثير من المعتقلين المصابين بهذا المرض يكون مصيرهم الموت، فالبيئة الموجود فيها المعتقل لا يتوفر فيها المعالجون، بل إن المسؤولين عن الأفرع يسعدهم التخلص من المعتقلين دون أن يعذبوا أنفسهم بضربهم أو يضطروا في يوم من الأيام لإطلاق سراحهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :