عنب بلدي – السويداء
دون الحصول على ترخيص رسمي، تعمل منظمة “بيتي أنا بيتك”، في منطقة شهبا التابعة لمحافظة السويداء، على العديد من النشاطات والخدمات لأهالي المنطقة، على صعد عدة، تتنوع بين جمع التبرعات وتقديم الخدمات الطبية، والبحث عن المنازل للمحتاجين، عدا عن تقديم الخبز والحليب بشكل مجاني.
لم تحصل المنظمة على ترخيص من السلطات السورية، لكنها تعمل بناءً على حاجة الأهالي، وهو ما يعتبره القائمون عليها رخصةً بحد ذاتها.
الحراك الشعبي كان الانطلاقة
أحد أعضاء المنظمة، فضل عدم ذكر اسمه، قال لعنب بلدي إنه مع بداية الحراك الشعبي عام 2011، اجتمع شباب من مدينة شهبا في مضافة، لوضع آليات حماية السلم الأهلي، وتعزيز ثقافة الاختلاف، نتيجة الانقسام الذي بدأ يهدد تماسك المجتمع السوري.
“لم ننطلق من خلفية سياسية ذات توجه واحد بل جعلناه عملًا ملونًا يضم جميع التوجهات، وهدفه إنساني بحت”، على هذه المعايير توافقت المجموعة، وكانت النتيجة عند وصول أول موجة نزوح إلى السويداء إطلاق “بيتي أنا بيتك”، كحملة إغاثة وليس كمنظمة رسمية.
وعن اختيار الاسم، قال العضو إنه جاء انطلاقًا من أغنية فيروز، التي تحمل الاسم نفسه، إضافةً لكونه مصطلحًا متعارفًا عليه في السويداء لتكريم الضيف “البيت بيتك”.
وكان شعار الحملة “حق الضيف حق الوطن”، لاعتبار هذا العمل حقًا للسوري على السوري وليس حسنة أو كرمًا إنسانيًا”.
بقيت السويداء إحدى أكثر المناطق السورية “أمانًا”، وذلك بالنظر إلى تحييدها عن العمليات العسكرية، ما جعلها هدفًا للنازحين الذين يقدر عددهم بما يزيد على 70 ألف نازح، بحسب إحصائيات غير رسمية.
سالم، وهو اسم مستعار لناشط مدني من مدينة شهبا، أضاف لعنب بلدي أنه لم يكن لديهم تصور عن العمل المدني، ولكن بعد فهم ماهيته اكتشفوا أهميته من خلال تحسس الخطر على السلم الأهلي مع بداية الثورة، وانقسام المجتمع، وتحول هذا الانقسام إلى شرخ بين أبناء المنطقة ذاتها، عدا عن تسويق النظام لفكرة حماية الأقليات ما زاد الانقسام بناء على المواقف السياسية.
إطلاق لجان المواطنة والسلم الأهلي
وشرح سالم مراحل العمل والتطور التي مرت بها المنظمة، فبداية وكنوع من الإنذار المبكر، أطلق أهالي شهبا ما يسمى لجان المواطنة والسلم الأهلي في 22 من تشرين الثاني 2011، والتي كان هدفها حماية السلم الأهلي، والمنشآت العامة، وأملاك الناس الخاصة، ونبذ الفتنة والكراهية.
المرحلة الثانية من العمل جاءت بخلق مرجعية اجتماعية، والتواصل مع صناع قرار مجتمعيين، لتكون رادعًا في حال غياب القانون، ولكنها لم توفق كثيرًا، إذ إن بعض الناس كانوا متمسكين بدور الدولة في هذا العمل وغير مؤمنين بقدرات لجان المواطنة على حمله.
عنب بلدي اطلعت على استمارة الانتساب لهذه اللجان، ويتوجب على الراغبين الإجابة عن أسئلة حول تقبل ثقافة الاختلاف وحماية الممتلكات العامة ومناصرة القيم الأخلاقية والوحدة الوطنية والجاهزية لدعم النازحين وغيرها من المعايير.
وقال نازح، ممن التقتهم عنب بلدي، والذي جاء مع 35 شخصًا من عائلته ضمن أول موجة نزوح باتجاه السويداء في الشهر السادس 2012، إنه تفاجأ باستقبال الأهالي لهم، خاصة مع تخوفهم من القدوم إلى شهبا، كونها لا تزال تحت سطوة النظام الذي تسبب في معاناتهم.
ثقة الأهالي رخصة للعمل
أحد المتطوعين في المنظمة، منذ انطلاقتها، شرح لعنب بلدي كيف قُسمت حملة “بيتي أنا بيتك” إلى عدة لجان، منها استقبال وتنظيم الناس والبحث لهم عن منازل، ولجنة مالية لجمع التبرعات، وأخرى طبية بمشاركة 40 طبيبًا متطوعًا، إضافةً لتقديم أدوية مجانية، كلها بدعم أهلي.
ووصلت القدرة على الاستيعاب إلى 350 أسرة عند الانطلاقة، لترتفع بعد ثلاثة أشهر إلى 1200 أسرة، ما جعل الصعوبات تتزايد، فتدخل الهلال الأحمر حينها واقتصر العمل على تقديم سلل إسعافية في بداية وصول الأسر، إضافة للحليب والخبز بشكل مستمر .
وأضاف المتطوع، “بعد ذلك أصبحنا نفكر في العمل باتجاهات أخرى، فقمنا بجمع تبرعات مالية من الأهالي، والعمل على مشروع خاص بالأطفال المتسربين من التعليم، فاستهدفنا 45 طفلًا بين نازحين ومن المجتمع المحلي بهدف الدمج لمدة أربعة أشهر، تم تنفيذه في عامي 2014 و2015”.
واليوم تعمل المنظمة على منح دراسية لطلاب الجامعات شملت 41 طالبًا، تقدم لهم هذه المنح لمدة عشرة أشهر بين 20 و25 ألف ليرة سورية (الدولار يقدر بـ 550 ليرة وسطيًا)، ونجحت الفكرة وانتشرت إلى القرى المجاورة، إذ توجد مجموعة في قرية مردك وأخرى في الشبكي إضافة لمجموعة في السويداء تعمل في نفس السياق.
وتصدر المنظمة تقارير مالية دورية، عن الأهداف التي تم تحقيقها، والمبالغ التي صرفت عليها، حرصًا على الشفافية.
التدخلات الأمنية حاضرة
وعن التدخلات الأمنية من قبل النظام، قال سالم، إن المساءلة الأمنية كانت تنتهي باطلاع الأمن على التقارير المالية التي تثبت أن مصادر التمويل هي تبرعات أهلية بشكل كامل.
وبالرغم من ذلك يتعرض شباب المنظمة لمنع السفر ولمراجعات أمنية، لكن سالم يقول إن الفريق لا يجد في القانون السوري ترخيصًا يناسبه كمنظمة عمل مدني.