بين غادة السمان ودريد لحام.. ومعجم البعث المدرسي

  • 2019/04/28
  • 10:57 ص

دريد لحام وغادة السمان (تعديل عنب بلدي)

نبيل محمد

يضمن تاريخ الروائية السورية غادة السمان نشر ما شاءت، في أي وسيلة ترغب، تحت هذه القناعة يمكن التقاط تفاصيل المستوى الأدبي والتعبيري، وسوية الأفكار التي تقدمها أشهر الروائيات السوريات في مقالاتها المنشورة تباعًا، التي خرجت أصلًا عن حيّز النقد أو التناول، وربما القراءة.
تحت عنوان “الرئيس ترامب سرقني: «نشّال الأوطان»!”، تقول غادة السمان في مقال لها نشر في جريدة القدس العربي مؤخرًا، “ترى ما الذي سيكون عليه الرئيس ترامب لو قدمنا ولاية أمريكية هدية إلى المكسيك مثلًا؟ وهل يظن أن السوريين يرضون بسلخ جزء محتل من أرضهم لتقديمه هدية للغاصب؟”، يرد هذا بالتوازي مع فيديو نشره الفنان السوري دريد لحام يوقّع فيه أوراقًا يهدي بموجبها ولاية كاليفورنيا للمكسيك، ردًا أيضًا على قرار ترامب بالاعتراف بسلطة إسرائيل على الجولان. مشهد السمان ولحام هنا متشابه حد التطابق، بطريقة تعبير مثقف له ما له في بلاده، عن تمسكه بجغرافيتها، محمِّلًا لغته كلمات من معجم السياسية المستهلكة التي اعتادتها المؤسسة السياسية في تلك البلاد للرد على أي عدو. تلك الأدبيات كانت المسرح الأكثر وفرة للقارئ من أجل التعبير عن سخريته الجامحة حد القرف أحيانًا.

من المصدر نفسه استقت السمان واستقى لحام، وربما غالبية الأصوات التي اعتادت على المقاومة بلغة النظام السوري تلفزيونيًا وأدبيًا.. استحضار المكسيك هنا، يعود إلى اندراجها ضمن قاموس الرد السوري الرسمي وغير الرسمي على أي فعل سياسي أمريكي معادٍ، منذ أن استخدمه رئيس النظام بشار الأسد مرارًا في معرض رده الدائم على أي تصريح أمريكي يستهدف سياسته، حيث يطالب أمريكا بالالتفات إلى قضية حدودها مع المكسيك. من هذا المعجم العقيم سياسيًا وفكريًا تخرج لغة كاملة يمكنها أن تتحول لمؤطر عام للتعبير، وقالب تدخل فيه غادة السمان وأعلام الثقافة والفن قبل غيرهم، بل يمهّدون لهذه اللغة لتصبح لغة عامة مجتمعية، تعبر عن الصمود والمقاومة. ولا لغة أخرى يمكن لهؤلاء الكتاب ابتكارها، على الأقل ليحفظوا ماء وجههم من التكرار.

في قضية الجولان، يُفتَرض أن السمان وغالبية من تناولوا القضية بلغة رسمية سائدة، يدركون تمامًا أن التمسك بالأرض بعيد تمامًا عن الكلام المكرور الذي لا يحمل أي بعد واقعي، وأن أدبية رفض الاحتلال بهذا الشكل لا تحمل أي محتوى أو مغزى سوى كوميديا يترقبها الجمهور. لكن يبدو أن بوصلة الابتكار تضيع، عند غادة السمان، وعند غيرها من ملتزمي المواقف البعثية المدرسية في الوقت الراهن، والمصرِين على الاستمرار بالتعبير على الملأ عن مواقفهم ودمجها بطريقة ما بتاريخهم الإبداعي، هو قَدَر من الواضح أنه محتوم لكاتب لم يستطع تكوين رؤيته الشخصية حول أي قضية عامة، فالتزم رؤية مؤسسة سياسية يعلن أنه لا ينتمي إليها، في وقت هو منتمٍ إليها وأكثر.
تغيِّب غادة السمان المشهد اليومي في سوريا، ليبدو غير حاضر نهائيًا في إطلالاتها الإعلامية المنتظمة عبر مقالاتها، يمكنها كل أسبوع أن ترى موضوعًا مهمًا للكتابة عنه، في عالم يفيض بالمحتوى المرن للكتابة، من السهل عليها رؤية أي حدث في أي بقعة من الكرة الأرضية واتخاذ موقف ضده، بعيدًا عن سوريا. حيث في سوريا بالضبط ستكون الكتابة ذات مسؤولية أكبر، وسيبنى عليها الكثير من الربح والخسارة. هنا حيث الحسم سيحسب على تاريخ المثقف ككل، وسيحتاج أيضًا على أقل تقدير جهدًا مضاعفًا في ضبط الكلمات، وخروجًا أو اندماجًا كاملًا بالمعجم السياسي والأدبي الذي يحاصرها حاليًا، بكل ما فيه من تكرار وكآبة ولا جدوى وفراغ وتصحّر.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي