عنب بلدي – خاص
في أجواء محافظة إدلب، البقعة الجغرافية غير الواسعة في الشمال الغربي لسوريا، تحوم طائرات حربية روسية بشكل متتال تنفذ غاراتها على مناطق المدنيين.. تقتل منهم بحجة القضاء على “التشكيلات الإرهابية”، والتي لم تعرقل على مدار الأشهر الماضية سير الدوريات التركية على الأرض، التي تجوب طرقات المنطقة الرئيسية، بموجب اتفاق “سوتشي” الموقّع في أيلول عام 2018.
لا يتوقف الأمر على ما سبق، إذ إن مدفعية قوات الأسد لا يهدأ قصفها على المنطقة، وترافقها راجمات الصواريخ التي تستهدف المنطقة “منزوعة السلاح” المتفق على إنشائها بين النظام السوري والمعارضة، والتي خلت من قاطنيها الذين نزحوا إلى المناطق الأكثر أمانًا في المحافظة، بعد تحولهم لعدادات دفع فواتير فشل توافق الدول الضامنة (تركيا، روسيا، إيران).
الحال السابق مستمر منذ مطلع شهر شباط الماضي، دون وضوح المصير الذي ستكون عليه المحافظة في الأيام المقبلة، خاصةً مع استمرار التهديدات من جانب النظام السوري وحليفته روسيا، وحديث تركيا عن محاولاتها لضبط الوضع، لكن مع ضرورة محاربة المجموعات “الإرهابية” المتمثلة بالتشكيلات الجهادية و”هيئة تحرير الشام”، والتي نفذت سلسلة هجمات استهدفت مواقع قوات الأسد، وقالت إنها جاءت ردًا على تصعيد القصف الذي قتل مئات المدنيين، بينهم نساء وأطفال.
توافق أم اختلاف
عند الحديث عن محافظة إدلب والوضع الخاص بها تبرز روسيا وتركيا إلى الواجهة، كونهما الطرفين الأساسيين في الاتفاق الموقع بشأنها، العام الماضي، ومن الواضح أن القصف الذي تتعرض له المنطقة يعطي مؤشرًا على خلافات بين الأطراف المذكورة سابقًا، ولا سيما أن بنود “سوتشي” لم ينفذ منها إلا المنطقة “منزوعة السلاح”، مع بقاء بند فتح الطرقات الاستراتيجية معلقًا، بعد أن تحدد فتحها، مطلع العام الحالي، بحسب ما أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو مؤخرًا، في أيلول 2018.
ورغم أن القصف على المحافظة لم يكن جديدًا على المنطقة، بمعنى أوضح أنه لم يتوقف قبل توقيع الاتفاق وبعده، يعتبر دخول الطائرات الروسية التطور الأبرز، والتي استهدفت عدة مناطق في الأيام الماضية في كل من إدلب وريفي حماة وحلب، وصعدت من ذلك بعد ساعات من ختام الجولة الـ 12 من محادثات “أستانة”، والتي لم يتم التوصل فيها إلى اتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية.
وبحسب الموقف الروسي، فإن الضربات الجوية على من يوصفون بـ “الإرهابيين” ستستمر، بحسب ما قاله المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرينتييف، الذي أضاف في 26 من نيسان الحالي أن “التخطيط لعمليات مستقبلية في المنطقة سينفذ بعد أخذ العنصر المدني بعين الاعتبار”، مشيرًا إلى أن روسيا ستبذل أقصى جهدها لمنع تعرض المدنيين للأذى، فالمدنيون هم أولوية لروسيا، بحسب تعبيره.
تلتزم تركيا الصمت على ما تقوم به روسيا، وبمقابل الحديث عن الخلاف معها لا يمكن تجاهل التنسيق الذي يتم بينهما، والذي أعلن عنه من قبل الطرفين، سواء من تنسيق الضربات الجوية وتسيير الدوريات التي تجاوز عددها 17 دورية.
وبخصوص تنسيق الضربات الجوية كان شهود عيان من ريف حلب الغربي تحدثوا لعنب بلدي عن حادثة قصف جوي روسي على مناطق في المنطقة، سبقها تحليق للطيران الحربي التركي، الأمر الذي أعطى مؤشرًا على تنسيق متبادل بينهما على الأهداف التي يتم ضربها، وهو ما تحدث عنه وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، في آذار الماضي، باتفاق أنقرة مع موسكو على إنشاء مركز عمليات مشترك في إدلب.
الفصائل تتجه للهجمات
بالانتقال إلى الجانب الآخر في مشهد المحافظة، اتجهت الفصائل العسكرية العاملة على أرضها إلى الهجمات المتفرقة ضد مواقع قوات الأسد والميليشيات المساندة لها، وتركزت بشكل أساسي على التشكيلات الجهادية التي أعلنت في وقت سابق رفضها اتفاق “سوتشي”، وانضوت فيما يسمى بغرفة عمليات “وحرض المؤمنين”.
وبحسب ما رصدت عنب بلدي منذ مطلع نيسان الحالي، بلغ عدد الهجمات التي قامت بها التشكيلات الجهادية و”هيئة تحرير الشام” ضد مواقع قوات الأسد سبعًا، أسفرت عن مقتل أكثر من 50 عنصرًا من الأخيرة، وتركزت في أرياف حلب وحماة واللاذقية.
وتشكلت غرفة عمليات “وحرض المؤمنين”، في تشرين الأول 2018، وكانت قد أعلنت رفضها لاتفاق “سوتشي” الموقّع بين تركيا وروسيا، في أيلول الماضي، بخصوص إنشاء منطقة منزوعة السلاح.
وتضم الغرفة العسكرية كلًا من فصائل: “تنظيم حراس الدين”، “أنصار التوحيد”، “جبهة أنصار الدين”، “جبهة أنصار الإسلام”.
ومع دخول اتفاق “سوتشي” شهره الثامن يبدو أن تصعيد قوات الأسد سيستمر، كونه مؤشرًا على الإشكاليات والمواقف المتقلبة بين “الدول الضامنة” (روسيا، تركيا، إيران)، ويرتبط بذريعة “الإرهاب” المتعلقة بـ “هيئة تحرير الشام”.
وفي آخر إحصائية لفريق “منسقي الاستجابة” في الشمال، 15 من نيسان الحالي، قال إن حصيلة العمليات العسكرية على الشمال السوري منذ شباط الماضي، بلغت أكثر من 254 مدنيًا بينهم 91 طفلًا وطفلة.
وتوزعت الضحايا على محافظة إدلب بـ 200 مدني بينهم 73 طفلًا، ومحافظة حماة 45 مدنيًا بينهم 14 طفلًا، وحلب سبعة مدنيين بينهم ثلاثة أطفال، إضافة لمدنيين اثنين بينهم طفل في اللاذقية، بحسب التقرير.
وعن النزوح، بلغ منذ شباط الماضي، 186258 نسمة، ما يعادل 29897 عائلة، توزعت على مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” ومناطق أخرى في الشمال السوري، وفقًا للفريق.