الأمّيّة الإعلامية وباء بشري.. فهل أنت مصاب/ة به؟
منصور العمري
كان اكتشاف الزراعة أهم ما أسهم في ثورة العصر الحجري الحديث عام 8000 قبل الميلاد. غيرت الزراعة أسلوب حياة البشر بشكل جذري، وتطورت المجتمعات الزراعية إلى مدن، في حين تحولت التجمعات البشرية البدائية إلى الحلقة الأضعف التي اعتمدت على جمع الثمار، وانقرضت تقريبًا، لأنها لم تمحُ الأمّيّة الزراعية واستمرت في ممارسات بالية حتى بالنسبة لذلك العصر.
في عصر لا تكاد تخلو فيه يد أي شخص، كبير أو طفل، من موبايل، وحضنه من تابليت أو لابتوب، وبيته من كمبيوتر يعرضه لضخ معلوماتيّ مستمر، أصبح عدم معرفة أساسيات التعامل مع هذ الضخ أمّيّة حقيقية، لا تقل خطورة عن الأمّيّة الزراعية أو الأمّيّة بتعريفها السائد اليوم وهو عدم القدرة على قراءة وكتابة جمل بسيطة في أي لغة.
لم يعد محو الأمّيّة الإعلامية ضرورة للعاملين في مجال الإعلام، بل لكل من يتعرض لمنصات التواصل الاجتماعي أو لديه حسابات في هذه المنصات، أي كل من يملك جهاز موبايل على الأقل. أصبحت التوعية الإعلامية كمادة دراسية ضرورة لا تقل أهمية عن أي مادة من مواد المناهج الدراسية كالحساب وتعليم اللغة العربية.
تنصّ المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه لكل شخص الحق في تلقي الأنباء والأفكار، كما أن حق الحصول على المعلومة هو حق أساسي للفرد والجماعة لمعرفة ما يجري حولهم. بالتالي تعريض الناس لمعلومات مغلوطة هو انتهاك لحقهم الأساسي في الوصول إلى الحقائق، وهو ما يجعل محو الأمّيّة الإعلامية حق للناس.
يمكن أن تغير المعلومات نظرتنا للعالم والمجتمع الذي نعيش فيه وموقعنا فيه، وبالتالي كيفية صياغة حياتنا لتحقيق أقصى قدر من الفوائد المتاحة، كما أن آلية صنع القرار الذاتي التي تحركها الحقائق يمكن أن تغير أو تنسف وجهات نظرنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أوصى تقرير تحالف الأمم المتحدة للحضارات بضرورة تنفيذ برامج محو الأمية الإعلامية في المدارس، ولا سيما في المرحلة الثانوية، من أجل المساعدة على تطوير نهج مميز ونقدي للتغطية الإخبارية للمستهلكين في وسائل الإعلام، وتعزيز الوعي الإعلامي، وتطوير محو الأمّيّة الخاصة بالإنترنت للتخلص من التحيزات وخطاب الكراهية والعنف والوقوع ضحية لأخبار زائفة أو حملات تشكيل وتغيير رأي عام قائمة على معلومات غير حقيقية، وغيرها من أخطار الأمية الإعلامية.
الأمّيّة الإعلامية تشكل قاعدة أساسية وخصبة يعتمد عليها من يريد التلاعب بمتلقي المعلومات في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، في عدة مجالات، اجتماعية وثقافية وسياسية، كالترويج لأحزاب أو شخصيات مرشحة في الانتخابات، واتخاذ القرارات ووضع القوانين وحتى صياغة الدساتير، أو تجارية مثل الترويج لفوائد سلع معينة طبية أو غذائية أو غيرها اعتمادًا على معلومات زائفة أو منقوصة، ويصفونها بالدراسات أو الأبحاث مثلًا. تتدخل الأمّيّة الإعلامية في جميع مناحي الحياة واهتمامات الناس.
يمثل تعرّض السكان المستمر لضخ هائل من المعلومات والأخبار والآراء تحديًا تربويًا هائلًا في العصر الإلكتروني والرقمي، ويتطلب تقييم مصادر المعلومات مهارات التفكير النقدي، مهارات يمكن تدريسها وأقل تعقيدًا بكثير من مواد يدرسها التلاميذ في المدارس ومن أهم هذه المهارات:
– فصل الحقيقة عن الرأي.
– تقييم النص والصورة لكشف التحيز.
– بناء وتفكيك النص على أساس مبادئ المنطق.
في هذا العصر، لا بد من تدارك هذا الوباء المنتشر لدى أعداد كبيرة من الناس، والذي يهدد المعرفة والحقيقة وبالتالي مصالح ضحايا هذا الوباء. يجب اتخاذ خطوات فورية لمحو الأمّيّة الإعلامية لدى المدرّسين، وإعداد مناهج محو الأمّيّة الإعلامية، وإدماج محو الأمّيّة الإعلامية في أنشطة المجتمع المدني السوري، بما فيها ورشات العمل والدورات التدريبية للعاملين في مجال الإعلام، وسكان الخيام والتجمعات السورية في دول اللجوء.
تُعتبر المعرفة الإعلامية أداة أساسية لتسهيل المشاركة الفعالة للمواطنين في العملية السياسية، وتمكنهم من الانخراط في حوار أعمق وأكثر وعيًا في مجتمعاتهم.
لا تقتصر فوائد محو الأمّيّة الإعلامية على إمكانية التعامل بالشكل الصحيح والمفيد للمتلقي في وسائل التواصل والإعلام بل تتعداها إلى القدرة على إجراء تقييم بديهي وفوري لدقة وصحة المعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام بمختلف أشكالها كالصحف والتلفزيون والإذاعة، بحيث يصبح التقييم عملية شبه لا إرادية ولا تحتاج لمجهود يُذكر.
بالتالي تمكن هذه المعرفة ذات الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الناس من التحكم بحياتهم، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال الوصول إلى معلومات دقيقة ونزيهة وحيادية.
مراجع:
تقرير تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :