عنب بلدي – عروة المنذر
على مدار الأشهر الماضية، منذ منتصف عام 2018، اضطر عدد كبير من شبان مناطق درعا وريف دمشق وريف حمص الشمالي للالتحاق بصفوف “الجيش السوري” ضمن القطعات العسكرية المخصصة له، لعدم قدرتهم على التهرب من الخدمة الإلزامية التي يفرضها الدستور في سوريا.
كما عاد إلى صفوف الجيش العناصر الذين انشقوا إبان انطلاق الثورة السورية في العام 2011، بعد أن أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عفوًا عن عقوبة الفرار يسمح بعودتهم إلى قطعهم وثكناتهم العسكرية دون أي محاسبة.
شكلت التطورات السابقة هاجسًا أمنيًا داخل القطعات العسكرية، ما اضطر القيادات الموجودة فيها لاتخاذ عدة تدابير، من شأنها أن تحول دون حصول أي بلبلة داخل صفوف العناصر والعسكريين.
تسويات بامتياز
في إحصائية غير رسمية حصلت عليها عنب بلدي، بلغ عدد الشبان الذين التحقوا بصفوف الجيش قرابة 90 ألف شاب، منذ شهر تشرين الأول حتى الوقت الحالي.
واللافت للنظر أن الشبان الملتحقين هم ممن أجروا تسويات مع النظام السوري، عقب دخول قواته إلى مناطقهم، بموجب عملية المصالحة، التي قضت بتهجير من لا يرغب بالدخول فيها إلى الشمال السوري “المحرر”.
أدرج جميع شبان مناطق التسوية الملتحقين بالجيش ضمن “الدورة 119″، التي تعتبر أحد أهم تحديات قوات الأمن العسكري، وهو الفرع المسؤول عن حفظ الأمن داخل القطعات العسكرية، على خلفية عمل الشبان طوال السنوات الماضية في مناطق سيطرة المعارضة السورية الخارجة عن سيطرة النظام.
وعلى إثر ذلك أصدرت الهيئات المسؤولة في القطعات العسكرية تعميمات بغرض مراقبة عمل الشبان وتحركاتهم داخل القطع، على رأسها حظر الهواتف الذكية، والعمل على إجراء دراسات أمنية عنهم.
نور أبو إسماعيل (اسم وهمي لأحد عناصر الانضباط في إحدى القطع العسكرية في ريف دمشق) قال لعنب بلدي، “بعد قدوم دورة 119 إلى القطعات العسكرية، عمل القادة والضباط المعروفون على تشديد الحراسة على أبواب مكاتبهم واستبدال طاقم الحراسة بعناصر معروفين بولائهم”.
وأضاف “أبو إسماعيل” أن القادة استبعدوا العناصر الذين أجروا التسويات من أماكن وجود السلاح أو سريات الحراسة والمرافقة، وبشكل خاص ممن التحقوا من محافظة درعا، كونهم “يشكلون أكثر من ثلثي الدورات الملتحقة بالجيش السوري”.
إعادة الفرز
بعد صدور مرسوم العفو نهاية عام 2018، عاد عدد كبير من العساكر الذين انشقوا عن الجيش بداية الثورة إلى القطعات، وإلى جانبهم ممن فروا من الخدمة بدايةً والتحقوا بالقوات الرديفة، التي قاتلت إلى جانب النظام السوري.
وكحالة قابلت التطور السابق، عملت قيادة “الجيش السوري” على فرز العناصر إلى قطعاتهم العسكرية التي انشقوا عنها أو فروا منها، ما جعلهم عرضة للمعاملة السيئة من الضباط، الذين وصفوهم بالخائنين، وحملوهم أعباء العمل بشكل كامل، بحسب ما قال محمد أبو رائد، أحد العناصر العائدين إلى الجيش.
ويضيف “أبو رائد” لعنب بلدي، “عند عودتي إلى القطعة التي انشققت عنها وُضعت بالسجن، رغم أنني كنت داخل أقبية الشرطة العسكرية والأفرع الأمنية لأكثر من شهرين، وبعد خروجي تم تحميلي أعباء عمل بشكل لم أستطع تحمله، فضلًا عن توجيه كلام لي من قبل الضباط بأنني خنت الوطن”.
وبحسب “أبو رائد” فإن عودة العناصر المنشقين إلى قطعهم العسكرية أحدثت بلبلة وحالة ارتباك كبيرة، في الأشهر الماضية، الأمر الذي دفع “القيادة” إلى إعادة فرز العناصر من جديد، مع التأكيد على تغيير القطع العسكرية التي كانوا فيها سابقًا.
وبرأي العنصر، لن تكون خطوة الفرز مجدية، فقد كُتب في ذاتيات العساكر العائدين أنهم كانوا فارّين من قطعهم.