استمر وجود القوات السورية في لبنان 29 عامًا، تحكّم خلالها النظام السوري بمفاصل الحياة السياسية والاقتصادية، حتى كانت المقولات الشعبية تعتبر لبنان المحافظة 15.
إثر احتجاجات عارمة، انسحبت القوات السورية من لبنان، مع بقاء السيطرة السياسية على بعض مفاصل الدولة.
ما أسباب الانسحاب؟
اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، في 14 من شباط، في العاصمة اللبنانية بيروت، في منطقة السان جورج، في انفجار ضخم، قتل على إثره 14 من مرافقي الحريري، إضافةً إلى الوزير باسل فليحان.
أدى الاغتيال إلى اندلاع احتجاجات ضخمة، طالب من خلالها المحتجون بإنهاء الوجود السوري في لبنان وتنظيم انتخابات نزيهة، ومعرفة قتلة الحريري، وأطلق على هذه التظاهرات اسم “ثورة الأرز”.
وشارك فيها كبار السياسيين والصحفيين اللبنانيين استنادًا إلى قرار مجلس الأمن 1559، الصادر في 2 من أيلول من عام 2004، والقاضي بانسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان.
أدت هذه التظاهرات إلى ضغوط دولية كبيرة، خاصةً من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، على النظام السوري، لسحب قواته من لبنان، وإنهاء تحكمه في الحياة السياسية والاقتصادية.
وسمي الانسحاب السوري من لبنان “بالاستقلال الثاني”.
نتائج “ثورة الأرز”.. انسحاب “كيفي” من لبنان
ألقى الأسد خطابًا في مجلس الشعب السوري، في 5 من آذار عام 2005، قال فيه إن الانسحاب من لبنان هو أمر بدأ فيه منذ عام 2005، نافيًا أن يكون الانسحاب نتيجة التظاهرات أو بسبب الضغوط الدولية، وربطه بالتدخلات الأمريكية في المنطقة وتداعيات الغزو الأمريكي للعراق في 2003، والتهديدات الأمريكية للبلاد.
وقال الأسد في خطابه إن القوات السورية بدأت بالانسحاب منذ عام 2000.
وانسحب آخر جندي سوري من لبنان، في 26 من نيسان من عام 2005.
ارتدادات
قامت في لبنان قوتان متضادتان، حملت الأولى اسم “8 آذار”، وضمت القوى السياسية اللبنانية الموالية للأسد، ومنها “حركة أمل” و”حزب الله”.
و حملت الأخرى اسم “14 آذار”، وضمت القوى المعارضة، ونجحت بالفوز في الانتخابات النيابية التالية وشكلت الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة.
كما أنشئت المحكمة الخاصة باغتيال رفيق الحريري.
تبع الخروج من لبنان، عدة تفجيرات، استهدفت العديد من شخصيات المعارضة اللبنانية، فقتل جبران تويني، السياسي والصحفي رئيس تحرير صحيفة النهار اللبنانية، والصحفي سمير قصير، والسياسي اللبناني جورج حاوي، أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني.
كما أدت الاحتجاجات لاحقًا إلى إنشاء بعثات دبلوماسية لأول مرة بتاريخ البلدين.
لماذا دخلت القوات السورية إلى لبنان؟
أدت الحرب الأهلية اللبنانية إلى تغيير وجه لبنان والمنطقة، بسبب التدخلات الدولية، ودعم دول عربية وأجنبية للفصائل المسلحة المتحاربة، وهو ما أدى إلى إطالة أمد الحرب أيضًا.
ولعل أبرز التدخلات كانت دخول قوات الردع العربية بقيادة سوريا إلى لبنان بغطاء من جامعة الدول العربية في عام 1976.
شكل دخول القوات السورية منعطفًا حادًا في الحرب، خاصة مع قيامها بما عرف بمجزرة مخيم تل الزعتر الذي تقطنه أكثرية فلسطينية، بالتعاون مع عدد من الميليشيات والكتائب المتحالفة معها.
كما أدى الوجود السوري في لبنان إلى السيطرة على القرارات السياسية والاقتصادية، وكانت آخر هذه التدخلات ما عرف بأزمة التمديد للرئيس اللبناني إيميل لحود، بعد انتهاء ولايته الرئاسية.
وكانت هذه الأزمة السبب الرئيس لسوء العلاقات بين سعد الحريري والأسد لاحقًا، والتي اتهم الأسد إثرها باغتيال الحريري.
لوحة “نهر الكلب”
طالب وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، في 23 من تشرين الثاني عام 2018، بوضع لوحة عن الخروج السوري من لبنان، أسوة بالخروج الإسرائيلي والفرنسي، عند منطقة نهر الكلب التاريخي، على الرغم من التحالف السياسي بين “التيار الوطني الحر”، الذي ينتمي إليه باسيل، والنظام السوري.
واكتفى ناشطون بوضع لوحات غير رسمية أزيلت في وقت لاحق، دون أي تحرك رسمي.
–
https://www.youtube.com/watch?v=EEswpJeXmjg