د. أكرم خولاني
قد يظهر لدى بعض المرضى طفح جلدي بلون أحمر غامق أو أرجواني يكون مرتفعًا عن سطح الجلد وقد يكون مجسوسًا، يحدث هذا الطفح بسبب حدوث نزوف نقطية تحت الجلد، فيُسمى الطفح الجلدي النزفي أو فُرْفُرِيَّة purpura نسبة إلى اللون الأرجواني purple والذي يسمى أيضًا بالفُرْفير، وهناك العديد من الأمراض التي تؤدي لظهور الفرفريات نتيجة نقص الصفيحات الدموية أو وجود عيب في عملها أو وجود عيوب في الأوعية الدموية، وأحد أشيَع هذه الأمراض فرفرية هينوخ شونلاين.
ما هي فرفرية هينوخ شونلاين؟
تسمى أيضًا الفرفرية التأقية، وهي اضطراب يسبب التهابًا في الأوعية الدموية الصغيرة جدًا (الشعيرات الدموية) في الجلد والمفاصل والأمعاء والكليتين، وقد تنزف الأوعية الدموية الملتهبة تحت الجلد مسببة فرفرِية غالبًا ما تتوضع على الساقين والأرداف، كما يمكن أن تنزف داخل الأمعاء أو الكليتين مسببة بولًا مدمى (بيلة دموية) أو برازًا مدمى.
هذا المرض غير معدٍ، فهو من أمراض المناعة الذاتية، وهو يحدث عند 10-20 حالة من كل 100 ألف شخص تقريبًا، وقد يصيب أي شخص بأي عمر، ولكنه أكثر شيوعًا بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2- 6 أعوام، وعلى الرغم من أنه ليس مرضًا شائعًا، إلا أنه يعد الالتهاب الوعائي الجهازي الأكثر شيوعًا لدى الأطفال من سن 5 سنوات وحتى 15 سنة، وهو يصيب الذكور أكثر من الإناث بنسبة (1:2)، وتحدث أغلب الحالات في الشتاء، ولكن بعض الحالات تحدث أيضًا خلال فصل الخريف أو الربيع.
ما أسباب الإصابة بفرفرية هينوخ شونلاين؟
لا يعرف سبب واضح للإصابة بهذا الالتهاب الوعائي، ولكن يعتقد بأن الآلية هي استجابة مفرطة من الجهاز المناعي لبعض المحفزات، فحوالي نصف الحالات تحدث بعد إصابة الجهاز التنفسي العلوي بعدوى بالمكورات العقدية أو الميكوبلازما، وقد يتبع الإصابة التهاب معدٍ معوي بالكامبيلوباكتر، أو بعض الإصابات الفيروسية كنزلة البرد أو جدري الماء أو الحصبة أو التهاب الكبد الوبائي أو النمط B، وقد تتضمن المحفزات أيضًا بعض الأدوية (فانكومايسين، رانيتيدين، مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية، سيفوروكسيم) أو اللقاحات (لقاح التيفية، الحصبة، الكوليرا، الحمى الصفراء) أو لدغات الحشرات، أو التعرّض لطقس بارد.
ما أعراض الإصابة بفرفرية هينوخ شونلاين؟
قد تكون البداية حادة فتظهر عدة أعراض بنفس الوقت، وقد تكون البداية مخاتلة فتتالى الأعراض على مدى أسابيع أو أشهر.
وتتميز فرفرية هينوخ- شونلاين بثالوث عرضي هو: فرفرية التهاب المفاصل ألم بطني.
وتحدث الفرفرية في جميع الحالات، أما ألم والتهاب المفاصل فيحدث في 80% من الحالات، والألم البطني في 62% من الحالات.
- الفرفرية: هي العلامة الرئيسية للمرض، وتكون على شكل طفح نزفي مجسوس بلون أحمر أو بني صدئ، يتوضع على الطرفين السفليين والإليتين، يستمر حوالي 10 أيام، وقد ينكس عند أقل من 10% من الحالات خلال السنة الأولى من الهجمة الأولية.
- التهاب المفاصل: تكون المفاصل مؤلمة ومتورمة مع حرارة موضعية فيها، وغالبًا ما تصاب مفاصل الركبتين والكاحلين، لكن قد يصاب المرفقان ومفاصل اليدين أيضا، وتتحسن الإصابة المفصلية خلال عدة أيام دون أن تترك أثرًا.
- الألم البطني: يحدث بسبب توذم الجهاز الهضمي، وعادة ما يكون متقطعًا، ويُشعَر به حول السرة، وقد يصاحبه غثيان أو إقياء أو إسهال، وقد يحدث نزيف خفيف أو شديد في الجهاز الهضمي في 33% من الحالات، وفي حالات نادرة جدًا قد يحدث انغلاف أمعاء (انحشار قطعة من الأمعاء بالقطعة التي تليها).
كما يمكن أن تحدث بعض الأعراض الأخرى كالإصابة الكلوية التي تشاهد في 40% من الحالات، وتتظاهر ببيلة دموية أو بروتينية يتم اكتشافها عند فحص البول، وعادة ما تنتهي بمجرد الشفاء من المرض، ولكن في 1% من الحالات من الممكن أن تتطور إلى قصور كلوي مزمن.
وفي حوالي 33% من الحالات يمكن أن تحدث حمى خفيفة وتعب وفقدان شهية، وفي حالات أقل قد تحدث وذمة في مناطق الارتكاز (أسفل الظهر، الإليتين، والفروة عند الرضع)، وقد تحدث وذمة في الصفن، أورام دموية، إصابة جملة عصبية مركزية، التهاب بنكرياس، نزف رئوي أو داخل القحف.
كيف يتم التشخيص؟
يمكن تشخيص المرض من خلال الأعراض والتظاهرات السريرية، خاصة عند وجود الأعراض التقليدية، ولكن عند غياب الأعراض المشخصة يمكن اللجوء لإجراء بعض التحاليل والفحوصات التي تستبعد وجود مشاكل أخرى، والتي تشمل: تعداد كامل للدم، سرعة تثفل، البروتين الارتكاسي C، تقييم الوظيفة الكلوية، تقييم الوظيفة التخثرية، تحليل بول، إيكو بطن، خزعة جلد، خزعة كلية، تحليل مناعي.
وفي فرفرية هينوخ شونلاين يمكن أن تظهر الموجودات التالية:
- بفحص تعداد الدم: قد نجد فقر دم غالبًا ما يكون سببه النزيف الهضمي، وقد نجد ارتفاعًا بمستويات الكرياتينين واليوريا في حال تأثر الكلى، وقد يظهر ارتفاع في مستويات الغلوبيولين المناعي A، كما قد ترتفع نتائج البروتين الارتكاسي C (CRP) وسرعة التثفل (ESR)، ولكن جميع هذه التحاليل ليست خاصة بفرفرية هينوخ-شونلاين، و قد يرتفع عدد الصفيحات الدموية أيضًا.
- بفحص البول: نلاحظ وجود كريات حمر وكريات بيض وفي بعض الأحيان بروتين.
- بالخزعة: يظهر التهاب الأوعية الصغيرة في الجلد، كما أنَّ التألق المناعي يظهر وجود ترسبات الغلوبيولين المناعي A والمكون المتمم C3 في جدار الوعاء الدموي.
كيف يمكن علاج فرفرية هينوخ شونلاين؟
عادة ما يشفى مرضى فُرْفُرِيَّة هينوخ شونلاين تلقائيًا ولا يحتاجون إلى أي علاج على الإطلاق، ويمكن للراحة في السرير في أثناء وجود الأعراض والإكثار من السوائل أن تساعد على الشفاء، أما بالنسبة للمعالجة الدوائية فتشمل:
- السيطرة على الألم في المقام الأول، وتكون إما بالمسكنات البسيطة مثل الأسيتامينوفين (باراسيتامول) أو بالأدوية المضادة للالتهاب غير الستيروئيدية مثل الإيبوبروفين والنابروكسين وذلك عندما تكون الشكوى من المفاصل أكثر وضوحًا.
- إعطاء الكورتيزونات مثل بريدنيزلون للمرضى الذين يعانون من أعراض شديدة أو نزيف في الجهاز الهضمي والذين يعانون في بعض الحالات النادرة من أعراض حادة تصيب أعضاء أخرى كالخصيتين.
- إذا كان المرض الكلوي شديدًا يجب إعطاء علاج مكون من الكورتيزونات مع الأدوية المثبطة للمناعة.
- وفي حال حدوث انغلاف أمعاء أو انثقاب أمعاء فيجب اللجوء إلى الجراحة فورًا.
تبلغ مدة مسار المرض كاملا حوالي 4-6 أسابيع، ويعاني نصف المصابين من تكرار الإصابة بالمرض مرة واحدة على الأقل خلال 6 أسابيع، وتكون تلك الإصابة أقصر في المدة وأخف من الهجمة الأولى من ذلك المرض، كما أنه نادرًا ما تدوم الانتكاسات لفترة طويلة، علمًا أن تكرار الإصابة بالمرض ليس علامة على شدته، ومعظم المرضى يستعيدون عافيتهم من هذا المرض تمامًا.