نبيل محمد
أول ما يصرّ عليه الفنان جهاد عبدو هو اسمه، الذي لن يغيّره أبدًا وفق قوله، أما “جِي عبدو” الاسم المتداول له في الفترة الأخيرة منذ انتقاله إلى الولايات المتحدة، فهو ضرورة فرضها عليه اسمه الذي من الصعب التعامل معه بشكل طبيعي في أمريكا وفق قوله. هو جِي في العمل، جهاد في المنزل، الممثل المعارض لحكّام بلاده، والهارب إلى هوليود ليكون سائقًا في أوبر، ومدرّس لغة عربية، وممثلًا. تنتقي الجزيرة الوثائقية تلك القصة، لتتابع حياته اليومية في هوليود، وتخرج بشريط قدمته قبل أيام.
من المتوقع جدًا أن تبدو تجربة جهاد عبدو في هوليود تجربة نضالية، من منطق أن تجارب غالبية اللاجئين، فنانين كانوا أم لا، هي تجارب تصارع المجتمعات والبيئات الجديدة، وتحاول البحث عن نقطة الصفر التي يمكن الانطلاق منها. جهاد في هوليود، هو كأي لاجئ سوري في أوروبا أو كندا أو غيرها، ينطلق من الصفر، محملًا بذاكرة كبيرة، يستعيدها مع زوجته عند أي حادث يعيد سوريا إلى الذاكرة، أو عند أي اصطدام بأي حاجز جديد خلال حياتهم الحالية، وما أكثر تلك الحواجز.
ليس استثنائيًا أن يبحث جهاد عن أي عمل يستطيع فيه النجاة كلاجئ مقيم في الولايات المتحدة، ومن الجيد أن جهاد كان مدركًا لذلك تمامًا، يعرف أن أبواب هوليود ليست بانتظار أي فنان قادم من الشرق، محمَّل بمئات المشاهد في مسلسلات ذات أثر وحضور في مجتمعاتها المحلية لا أكثر، ولعل ما قدمه الفيلم في سياق الأعمال التي يمارسها جهاد خارج الفن، هو الأكثر أثرًا وواقعية في الشريط، بل وتضع الفنان أمام الاستحقاق الأخلاقي الذي خطا أول خطواته فيه في سوريا، حينما رفض تأييد النظام السوري، ووقف ضد ممارسات أقرانه من الفنانين السوريين للحفاظ على مكتسباتهم من السلطة، وقدرتهم على الحصول على عمل، وقرر الوقوف في صف فئة نادرة من الفنانين الرافضين، الذين يجوبون أنحاء أوروبا وأمريكا حاليًا بحثًا عن عمل فلا يجدون.
يعيد جهاد رواية قصته أمام عدسات الكاميرات التي تختبر إمكانياته التمثيلية لتجد له دورًا هنا أو هناك، وأمام لجان انتقاء الممثلين في شركات الإنتاج، وأمام مخرجين وفنانين. يتخذ مدخلًا واقعيًا إلى عيون وقلوب من يبحثون عن ممثل عربي قادم من الشرق، يحاول ما استطاع جذبهم، سواء بانتقاء أقسى الكلمات للتعبير عن قصة بلاده وهروبه منها، أو بعزف الموسيقى أمامهم، ليدق الباب بأكثر من يد، علهم يفتحون.
شارك جهاد في عدة أعمل سينمائية في هوليود، منها ملكة الصحراء أمام نيكول كيدمان، الفيلم الذي لم يأخذ الشهرة التي كانت مرجوةً منه، إلا أن تلك المشاركات لم تعنِ له أن أبوب هوليود قد فتحت له أبدًا، بل ما زال في طور البحث المستمر، وما زالت أوبر تشكّل حلًا موجودًا يمكنه خوضه عند مواجهة أي معضلة. سيشارك في أفلام قصيرة، وفي نشاطات جامعية، وفي برامج، هو لاجئ سوري قبل كل شيء. لا تمنحه صفة الفنان أي فرصة لتجاوز أي مشكلة تواجه اللاجئين بشكل عام، طالما ما زال في سياق البحث الدائم عن عمل.
بين أحلام جهاد الكبيرة، ولجوء زوجته الفنانة التشكيلية فاديا أفاش إلى لوحاتها ودموعها واللاجدوى التي وصلت إليها، تتنقّل الكاميرا، بفوضوية واضحة، فتظهر ما يجب أن يكون صادقًا بهيئة مشهد مركّب، وتكرر من المشاهد المجانية ما شاءت، بل والمشاهد التي تثير تساؤلًا مهمًا، هل جهاد مطَّلع على كل التفاصيل التي مرت في هذا الفيلم؟ وهل هو راض عن كل المشاهد التي قدّمت؟ هل يجد في تكرار مشهد بحثه عبر الهاتف عن أي شخص يمكنه إيصال النقود إلى أهله مشهدًا مقنعًا ليتكرر؟ هل المنتج النهائي الذي عرضته الجزيرة نال رضا جهاد وزوجته قبل العرض؟ أم لنقل هل كان رضاهما مطلوبًا أصلًا قبل إصدار فيلم يتناول تجربتهما بكل ما فيها من حيثيات وخصوصية؟