موجة التدمير الثالثة

  • 2019/04/21
  • 12:00 ص

إبراهيم العلوش

الموجة الثالثة من التدمير في سوريا تفاقمت منذ الشتاء الماضي، وتصاعدت بالتجويع، وانقطاع الغاز والمشتقات البترولية والغلاء الفاحش، وهي تطال كل من نجا من الموجتين السابقتين بمن فيهم المنتصرون المزعومون.

موجة التدمير الأولى بدأها النظام ضد السوريين في عام 2011 على أيدي شبيحته والقوى الطائفية التي أطلقها على السوريين، والموجة الثانية جاءت على أيدي داعش والنصرة بالإضافة للإيرانيين والروس والتحالف الدولي، وهي موجة يغلب عليها المكون الأجنبي، وقد تصاعدت منذ العام 2014 وبلغت أشدها مع التدخل الروسي في أيلول 2015، وقصف طيران التحالف الدولي لمدن الفرات عام 2017 مع كل ما يكتنفها من تهجير ومن إرهاب الميليشيات الطائفية والتنظيمات الدينية المتطرفة.

الموجة الثالثة من التدمير اليوم تطال جميع الناس بمن فيهم الذين احتموا بقوة النظام وانساقوا لمقولاته الشهيرة “الأسد أو نحرق البلد”، و”دبابة أمام كل بيت”، و”الشعب طالع سيران”، و”خلصت..”، بالإضافة إلى ادعاءات التخوين والعمالة والانسجام السكاني.

كان المرسوم رقم 10 القاضي بمصادرة بيوت الغائبين، أول نتيجة قانونية لسياسة التعفيش التي ازدهرت في السنوات الماضية إبان الموجتين الأولى والثانية، وبلغت أوجها بتعفيش البيوت في الغوطة ودرعا عام 2018، وصارت ممتلكات الأهالي تنقل أمام أعينهم وعلى شاشات التلفزة الممانعة، ضمن مشاهد للشبيحة الذين يفتخرون بالنصر على السوريين، ويعتبرون كل أموالهم حلالًا لهم، بعدما قتلوا المعتقلين ودمروا المدن بمختلف أنواع الاسلحة.

فكل موارد الدولة السورية تم صرفها على الميليشيات والشبيحة، بينما يعاني السوريون في الداخل من موجة برد قارس وسط انقطاع المازوت والغاز عن البيوت خلال الشتاء الماضي، واليوم تنتظم طوابير السيارات أمام المحطات بانتظار الحصول على البنزين، وقد وصلت الطوابير إلى كيلومترات في امتدادها، فبحسب موقع “المدن” اللبناني أوقفت إيران  الخط الائتماني الذي يدعم النظام، منذ منتصف تشرين الأول 2018، محتجة على رفض الروس منحها ميناء اللاذقية الذي قررت حكومة النظام تسليمه لها في الخريف المقبل.

موجة الإفقار والحرمان تستهدف أيضًا تسوية الأرض السورية أمام أقدام المحتلين الروس والإيرانيين، الذين صاروا يطالبون بفواتير حماية عائلة الأسد والشبيحة، وخلق مجتمع مطواع أمام التقاسمات الإيرانية الروسية، وتسهيل اقتسام الثروات، والنفوذ والأراضي والموانئ، بلا اعتراض من شعب يرزح تحت معاناة البرد والجوع والخوف، ولم يعد قادرًا على المطالبة بحقوقه وسيادته الوطنية، وهذه الموجة لن تكون أقل ضررًا من الموجتين السابقتين في دمار سوريا، بل ستكون الأشد على السوريين، وتكملة لكل المآسي التي ألمت بهم على يدي النظام وقطعان شبيحته.

فكثير من الكوارث تكون أضرارها أشد على الناس بعد انحسار الكارثة نفسها، فالزلازل لا تستمر أكثر من دقائق ولكن نتائجها الكارثية شديدة الضرر من تخريب وتدمير وفقدان الأمن، وتدهور الخدمات إلى حد الانعدام، وكذلك القنبلة النووية التي ضربت اليابان خلال ساعات، كانت نتائجها الكارثية أشد على الأرض من لحظات إسقاط القنبلتين على هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، فقد انعدمت الزراعة وتشوهت الأجنة من تأثير الإشعاعات النووية لمدة نصف قرن.

وكذلك كارثة نظام الأسد على الشعب السوري فهي لم تنتهِ بعد كل هذا التدمير وذلك التهجير، بل إن نتائج سياسات الأسد ستدوم كارثيتها على السوريين جميعًا عشرات السنين.

الروس والإيرانيون يتنافسون على اقتسام ما تبقى من سوريا بالتفنن بالتهديدات والتجويع والابتزاز للشعب السوري فيما تبقى من قطاع الخدمات والصحة، وحتى ملف المعتقلين صار تجارة مشروعة ورابحة للنظام، وللروس، وللإيرانيين، ونقطة ابتزاز مؤلمة للشعب السوري، فتسليم هوية معتقل مات تحت التعذيب، كانت تكلف أهله مليون ليرة سورية منذ العام 2014، والإيرانيون يورّدون المحارق الآلية الحديثة للمعتقلات من أجل حرق جثث المعتقلين وإخفاء آثارها، من أجل ألا يتحمل محور الممانعة تبعات الجريمة التي جعلته ينتصر على الشعب السوري.

والروس يرفعون سقف المطالبات، ويتحكمون بالمفاوضات بالضغط في ملف المعتقلين الذي يدرّ عليهم الكثير من الهيبة والترجي من قبل الأهالي ومن قبل المنظمات الدولية، حتى بدا بوتين في زيارته الأخيرة كمدير معتقل كبير اسمه سوريا، التي يديرها على الأرض النظام والإيرانيون كعناصر تنفيذية.

تترافق هذه الموجة الثالثة من التدمير مع سيل التدمير الإسرائيلي للمواقع الإيرانية في سوريا، وبحجة طرد إيران سيتم تدمير عدد من المدن السورية وتهجير أهلها، ولعل مدينة مصياف ستكون على رأس القائمة، فقد بنى الإيرانيون فيها معامل للصواريخ ومعتقلًا جهنميًا للسوريين، فالقصف الإسرائيلي المتصاعد سيطال المدن المؤيدة التي كانت من نصيب الإيرانيين في الاقتسام على الأغلب.

لقد تم تدمير الرقة بنسبة 80% بحجة طرد داعش منها، وأودت غارات التحالف الدولية وقوات البي كي كي بأكثر من 6000 من أبناء الرقة والنازحين إليها خلال شهرين من عام 2017، وقد يكون نصيب المدن والأحياء (السورية- الإيرانية) نفس المصير، ولعل جنوب دمشق ومحيط المطار الدولي، وحتى داخل دمشق، بالإضافة إلى أماكن متفرقة من سوريا تمتد إلى الساحل وحمص، وصولًا إلى مدينة الميادين، قد تخضع لمصير مأساوي بحجة طرد الإيرانيين منها.

الموجة الثالثة من التدمير المتضمنة سياسة التجويع والحرمان الكارثي، مع استمرار التدمير الممنهج، ستكون بمثابة حرق لأرض الجريمة لطمس معالمها، ومنع المطالبات بمعاقبة مرتكبي الجريمة، وتعزيز سياسة الإنكار التي يتبعها النظام، والمحتلون الروس والإيرانيون، وما تبعهم من المحتلين.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي