عنب بلدي – حباء شحادة
يكافح سكان إدلب لتحقيق أهداف الحرية والنهضة المجتمعية التي نادوا وآمنوا بها، مع مطلع الثورة السورية، وكانت الثقافة والقراءة حاضرة منذ البداية كوسيلة وغاية.
بعد أربعة أعوام على سيطرة الفصائل المعارضة على كامل المحافظة، واستقبالها لأكثر من مليون شخص من المهجرين من محيط دمشق وحمص وحلب على مدار عامين، باتت تلبية الحاجات الثقافية والفكرية لسكانها أمرًا ملحًا.
وظهرت محاولات مبكرة فردية للعمل على تخفيف ما ألحقه الصراع والتهجير وانتشار العسكرة والمخاطر الأمنية من نقصٍ في الموارد والكوادر، ومن ضياعٍ للزمن والأهداف.
ترميم لما تضرر
“في بداية التحرير كان الحال جديدًا، ولم يكن مستقرًا، وكان القصف كثيفًا.. الحياة العملية كانت متوقفة كلها، ومن ثم بدأت بالتحسن”، هكذا قالت المعلمة آية رضوان، واصفة لعنب بلدي تطور المسار الثقافي في مدينتها.
أقامت منظمة “بنفسج” حملة اسمها “شاركنا كتابك”، نهاية العام الفائت، سعت من خلالها إلى جمع التبرعات من الكتب لإعادة تفعيل المركز الثقافي، الذي بقي متضررًا لعامين إثر قصف لطيران النظام للمنطقة عام 2016.
وقد أشاد عدد من سكان المنطقة بتلك الجهود ورحبوا بها، بعد ما عانته مكتبة المركز من تغييب وسرقة وإتلاف لعدد كبير من الكتب، بحسب ما قال الممثل المسرحي الشاب، محمد الزير، لعنب بلدي.
وأضافت رضوان أن أعداد الكتب التي كانت حوالي 31 ألفًا زادت بنحو 25 ألفًا، وعبرت عن سرورها بالجهود التي بذلت في سبيل إعادة تأهيل المتحف وتطوير الأنشطة الثقافية، التي سمحت للمدرسين باصطحاب تلاميذهم للاطلاع على “تاريخ البلد”.
وكان المتحف أعيد افتتاحه العام الفائت، بعد إغلاقه عام 2013 بسبب الأعمال العسكرية وتعرضه للنهب والتخريب.
محاولات للتقدم
عملت منظمات المجتمع المدني على إقامة الأنشطة والمسابقات الثقافية والترفيهية، حسبما قالت رضوان، التي رأت فيها خطوة تحفيزية رائعة لإبداع الشباب.
ولكن هذه الاجتهادات الساعية لدفع الحركة الثقافية “تخللها ضعف في كثير من الأحيان من حيث الرؤية الواضحة والأهداف المراد تحقيقها والنتائج المرجو الوصول إليها”، على حد تعبير الطالب الجامعي مهند عمر.
وقال عمر، الذي يدرس العلوم السياسية، في حديثه لعنب بلدي، إن الفعاليات التي تقام في الجامعة يعتريها قصور لإتمام النجاح، والأنشطة الثقافية والفكرية من الأكاديميات والمنظمات ينقصها الاتساع.
كما أن اختصاص أغلب الدورات المقامة بمواضيع سوق العمل تزيد من “الإشكاليات” التي يعاني منها الشباب في المنطقة، حسبما أضاف.
وبهدف التطور والإسهام في سد الاحتياجات، انطلق مشروع ثقافي شبابي جديد، سيفتح أبوابه قريبًا وسط مدينة إدلب، لخص مديره، بشير جمال الدين، في حديثه لعنب بلدي، منطلقاته بأنه “إجابة عن سؤال كيف نجعل الشباب يقرؤون في الداخل السوري”.
بقوام خمسة آلاف كتاب، تم جمعها والتبرع بها حتى الآن، وبقاعات مجهزة بالكهرباء والحواسيب والإنترنت، وأماكن مخصصة لإعطاء المحاضرات وقاعة قراءة للذكور وأخرى للإناث، يسعى جمال الدين وفريقه إلى تشجيع أهل المنطقة على القراءة وتوفير الخدمات الثقافية لهم.
مشكلة الحصول على الكتب والمراجع، التي أشار إليها عمر، مع الحاجة لتنوع مواضيعها، لم تغب عن بال جمال الدين، الذي كان لفترة قريبة أحد طلاب جامعة إدلب، ولذا ستخصص مكتبتهم قسمًا للمراجع مع رصد أحدث الإصدارات والعمل على توفيرها.
“لا أعتقد أن يدخل قارئ إليها (المكتبة) دون أن يعجب بكتاب أو أن يرغب باقتناء كتاب منها”، حسبما قال جمال الدين متحدثًا عن تنوع الكتب المجموعة.
قبسات مضيئة
لم تخلُ محافظة إدلب من المشاريع والمؤسسات الفكرية والثقافية، الشبيهة بمشروع المكتبة الخيرية التي يحضّر لها جمال الدين وفريقه، فقد افتتح في بلدة معرة مصرين، شمالي مدينة إدلب، مكتبة “أثر الفراشة” الساعية لتوفير الكتب للنساء والأطفال في المنطقة.
وبحسب ما قالت مديرة المكتبة، ربا ياسين، في حديث سابق لعنب بلدي، فإن هدفها تمثل بتوفير الكتب “القيّمة” في الشمال السوري، عن طريق جمع الكتب وفتح باب التبرع لدور النشر العربية.
وفي الطرف المقابل من المحافظة، افتتح مؤخرًا في مدينة جسر الشغور، نادي الثقافة ضمن مركز “جسر المستقبل”، الذي تحدثت عنه منسقته، الرسامة التشكيلية ختام جاني، لعنب بلدي.
“ما دفعنا لإنشائه هي الحاجة الملحة في مدينتنا والنقص الكبير لهكذا مشاريع ثقافية تزيد من وعي الشارع وتهتم بفئة الشباب وباقي الفئات العمرية ككل”.
وسيفتتح النادي “قريبًا” مكتبة تهدف للتحفيز على القراءة، وتجري فيه حاليًا مبادرات لدعم المواهب الفنية في الرسم، ودورات لفن الخط العربي، مع الأمسيات الشعرية والندوات الثقافية وحلقات النقاش المفتوحة.
واعتبرت جاني أن الإقبال على نشاطات النادي الثقافية ممتاز “على الرغم من الضغوط الكبيرة ونسبة النزوح من المدينة والوضع الأمني الذي ما زال غير مستقر”.
حاجات مستمرة
دعم المشاريع التي تعين الشباب على فهم المتغيرات والمهام المنوطة بهم، وتوسيعها لجذب انتباههم وحثهم على استثمار حيز الحرية الذي وفرته الثورة، رغم كل الضغوطات والاعتبارات، كان أهم الحاجات الناقصة على حد تعبير عمر.
أما محمد الزير، الذي يداوم على الذهاب للمركز الثقافي بحكم نشاطه المسرحي، فقد رأى أن عودة المثقفين والفنانين هي أهم تلك الاحتياجات.
تأهيل المركز الثقافي وتوسيع خدماته، من دورات الخط والمسابقات القصصية والشعرية، بما يتلاءم مع متطلبات المجتمع، وزيادة الاعتناء بالمسرح، كانت من بين الاحتياجات أيضًا.
وبالنسبة لرضوان فهي تأمل أن تزداد أنواع الكتب وأعدادها ومعارضها، لتجاوز “النقص المعرفي” ولبناء “البنية التحتية الثقافية” المتضررة، مع فخرها بما حققته المنطقة إلى الآن في ظل الحرب وعدم الاستقرار.