الآثار النفسية للاعتقال… جروح خفية لا يمكن إهمالها
لا تتوقف معاناة المعتقلات مع خروجهنّ من أسوار السجن، بل تمتد لتطال تفاصيل حياتهنّ، التي تتحول إلى مقارعة تحديات يخلقها المجتمع المحيط، الذي يبني أسوارًا أعلى بوجههنّ، فضلًا عما يعانينه من فقدان للتوازن النفسي، وقلق مزمن يرافقه أرق وكوابيس، إلى جانب ضعف الثقة بالنفس والآخرين، وغياب الأمل والتطلع للمستقبل، والرغبة بالانطواء والعزلة.
وتحتاج مداواة الجروح النفسية وقتًا أطول من تلك التي قد تطال الجسد، إذ إنها تحفر عميقًا، وسيؤدي تجاهلها لتفاقمها وصعوبة السيطرة على ما تتركه من آثار.
فما هي تبعات الاعتقال التي تعانيها الناجيات، وكيف يمكنهنّ تجاوز هذه الأزمات والتعامل مع المخاوف وظلال الأشباح التي تلاحقهنّ لفترات طويلة ما لم يتم التعامل معها.
الاختصاصية والمعالجة النفسية جوانا البزرة، تحدثت لعنب بلدي عن الحالة النفسية للناجيات من الاعتقال، وما عليهنّ فعله لتجاوز أزماتهنّ النفسية.
وأوضحت البزرة أن حال الناجية من الاعتقال عند خروجها يختلف مع اختلاف أشكال العنف الذي تعرضت له، والانتهاكات التي طالتها هل هي جسدية أم جنسية أم الاثنان معًا، مبينة أن أخطر الحالات هي التي تعرضت لنوعي الاعتداء، إذ تخرج المعتقلة فاقدة للثقة بالنفس، ولا تفارق ذاكرتها صور الألم والعذاب، كما تعاني من الاكتئاب والحزن والانكسار والشعور بالذنب.
وإلى جانب هذه الآثار قد تتشكل لدى المعتقلة حالة نفسية فيما بعد من علاقتها بالرجال والعلاقة الزوجية.
العلاج النفسي المبكر
وعن كيفية تعامل الناجية مع المخاوف التي قد تلازمها لفترة طويلة، أكدت البزرة أن عليها التوجه مباشرة إلى اختصاصي نفسي، لأن رحلة علاجها ستكون طويلة، ومن الأفضل أن تبدأ بالعلاج مبكرًا حتى تتمكن من التعافي بشكل أسرع.
وأشارت البزرة إلى أن ذلك سيساعد الناجية على تخطي المخاوف التي ستواجهها والذكريات التي ستلاحقها.
ولفتت إلى أن الدعم الذي قد يقدمه الأهل والأصدقاء غير كافٍ لتعافي الناجية، إذ إنه لدى الاختصاصي النفسي خبرة أكبر في علاج خفايا النفس، مبينة أن أسرع علاج في هذه الحالات هو التنويم المغناطيسي.
فصل الصورة عن الألم
وأكدت البزرة أن على الناجية ألا تتحدث عما يدور في نفسها من أفكار ومشاعر إلا مع الاختصاصي النفسي، لأنه هو الذي سيحمل على عاتقه مسؤولية إخراجها من كل ما تعانيه خلال المرحلة التي تمر بها عقب الإفراج عنها، ولا يجدر بها التحدث عما تشعر به مع باقي الأشخاص مهما كانت قرابتهم، وذلك إلى أن تُنهي وتُتم مرحلة العلاج والتعافي، إذ إنه يمكنها عندها فصل الصورة عن الألم.
وأوضحت الاختصاصية والمعالجة النفسية أن جلسات الدعم النفسي ضرورية للناجيات، ولا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها، لأن المرض النفسي يبدأ مثل فيروس صغير ثم يتكاثر وينتشر ويقوى مع مرور الزمن.
وبيّنت أن الناجية التي لم تخضع للعلاج النفسي، حتى وإن لم تكن تشعر بالحاجة للعلاج في الوقت الحالي، إلا أنه وبشكل قطعي سيأتي يوم وتنهار أو يظهر عليها عارض معين من أحد الأمراض النفسية، وشبهت الحالة بالتسوس الموجود في أحد الأسنان والذي سيعمل بشكل حتمي على نخره وكسره في النهاية ما لم تتم معالجته، ولذلك يجب أن تتم مداواة السن عند ظهور أولى بوادر التسوس قبل أن يتم انتشاره.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :