الملحمة الخيالية بين النسخة المكتوبة والمصورة
هل تغني مشاهدة “صراع العروش” عن قراءة “أغنية الجليد والنار”؟
في عالم مزقته الحروب والنزاعات، وباعدت بين أهله الضغائن والمطامع، وانتشرت فيه الأهوال والرذائل، لا رابط يجمع القلوب ويطغى على الأهواء أقوى من حب سلسلة “صراع العروش”.
ملايين المتابعين المخلصين حول العالم انتظروا بالدقائق والثواني بدء حلقات الموسم الثامن والأخير من السلسلة، ويحلمون بموعد انتهاء آخر جزأين من روايتها المدعوة “أغنية الجليد والنار”.
والسلسلة مستقاة من رواية “أغنية الجليد والنار”، التي تعتمد أسلوب “واقعية العصور الوسطى”، رغم احتوائها على العديد من العناصر الخيالية المشوقة، أبدع كاتبها، جورج مارتن، بعرضها من وجهة نظر 31 شخصية رئيسية.
انصهرت مصائر شخصياتها في حبكة معقدة، برعت في سبر أعماق السياسة والدين والنفس البشرية الحاملة للخير والشر، مع تميزها بتقديم نماذج فريدة للأبطال أهمها: القزم المعتد، والفتاة القائدة.
تسير أحداث السلسلة في ثلاثة محاور، حرب الممالك السبع للظفر بـ “العرش الحديدي”، وتقدم جيش الموتى لإفناء البشر عبر الجدار الجليدي العملاق، ورحلة التنانين من حرب “مرفأ العبيد” إلى حرب السلطة في “ويستروس”.
حصلت قناة “HBO” الأمريكية على حقوق إنتاج القصة عام 2007، بعد أن أجاب منتجا العمل، دي بي وايس وديفيد بينيوف، عن سؤال مارتن “من هي والدة جون سنو؟”، عقب قراءتهما لأربعة من أجزائها.
عمد العمل التلفزيوني، الذي عُرض موسمه الأول عام 2011، إلى اختزال أحداث القصة وشخصياتها، وأضاف لأعمارهم ثلاث سنوات، مع محاذاته لمجرياتها حتى الموسم الخامس، ثم اتخذ مسارًا مباعدًا عصيًا على التنبؤ.
تأخر مارتن بإصدار أجزاء عمله الضخم، إذ بدأ بكتابتها أول الأمر عام 1991، ونشر الجزء الأول عام 1996، والثاني عام 1999، والثالث عام 2000، والرابع عام 2005، والأخير عام 2011. ولم يحدد إلى الآن موعد نشر الجزء السادس ولا السابع.
وفي حين تميز العمل التلفزيوني بإنتاجه الضخم، إذ بلغ متوسط كلفة كل حلقة 10 ملايين دولار، إلا أن صفحات الأجزاء الخمسة الصادرة من الكتاب، والتي تبلغ 4228 صفحة، زخرت بتفاصيل مهمة، كان من المؤسف غيابها عن الشاشة.
تحكم “ويستروس” سبع ممالك بداية من مملكة الشمال التي يحكم عاصمتها وينترفيل آل ستارك، ووملكة ويسترلاند وعاصمتها كاستلي روك والتي يحمها اللانيسترز، ومحكمة ريتش (الأرض المنبسطة) وعاصمتها هايغاردين وتخضع لآل تاريل.
ويحكم آل براثيون مملكة أرض العاصفة وعاصمتها ستورمز إيند، بينما يحكم آل ايري مملكة الوادي، ومملكة الآنهار آل تالي، ومملكة دورون آل مارتيل.
تغيب الكثير من التفاصيل عن المسلسل وتتسارع الأحداث وفي الكثير من المواقف قد لا يلحظ المتابع بعض التفاصيل التي تمر مرور الكرام أو تظهر في خطوة إلى الوراء، كما هو الحال حينما كشف عن شخصية جون سنو الذي رباه آل ستارك على أساس أنه ولد غير شرعي لحاكم وينترفيل نيد ستارك.
جون سنو، واسمه الحقيقي في المسلسل “إيغون”، ينتمي إلى آل تارغريان المنفيين عن ويستروس بعد سيطرة آل براثيون على سدة الحكم فيها (العرش الحديدي)، وأمه هي ليانا آل ستارك (أخت حاكم وينترفيل نيد ستارك)
أما في الرواية فإن إيغون هو شخصية منفردة فهو الابن البكر لريغار تارغريان وأمه إليا مارتيل، والذي اعتقد الجميع أنه قتل حينما سيطر آل براثيون على عرش جده، يسعى للمطالبة بالعرش مستعينًا بجيش من المرتزقة.
ولعل أحد الأمثلة المهمة على الاختزال الذي حل في المسلسل هو قصة كاتلين (ملكة مملكة الشمال وزوجة نيد ستارك) بعد “الزفاف الأحمر” الذي كان كمينًا لها وابنها حينما قام بثورة على اللانسيترز، إذ بعثت في القصة من جديد باسم “السيدة ذات القلب المتحجر”، على يد عصبة من الخارجين عن القانون، وأصبحت قائدتهم تسعى معهم للانتقام من مقتل ولدها، وهذا التفصيل لم يذكر في المسلسل كذلك.
عشرات التفاصيل غابت عن المسلسل وحضرت في الرواية لتجعل عشاق سلسلة “صراع العروش” مضطرين لقراءة الرواية التي تحمل في طياتها الكثير والكثير من الأحداث لم تتسع الأجزاء الثمانية من العمل لذكرها.
بقي المسلسل متربعًا على عرش المسلسلات الأعلى مشاهدة على الرغم من الإفراط بالعنف والسادية والفحش والكثير من اللقطات الخادشة للحياء، ولكن مارتن برر ذلك بأن “مهمة الفن أن يحاكي الحياة”.
بحلول آب 2016 بيع ما يزيد على 70 مليون نسخة من رواية “الجليد والنار” حول العالم، وبحلول بداية عام 2017 تمت ترجمتها إلى 47 لغة. حصلت القصة والعمل التلفزيوني على العديد من الجوائز المهمة.
التفاصيل الغائبة عن المسلسل والتي حضرت في الرواية تجعل المتابع أمام خيار قراءة الرواية لفهم ما غاب عنه أو ما حذف في السلسلة لأسباب فنية أو أسباب أخرى تتعلق بالاختصار والاختزال وعدم طول حلقات المسلسل، ما قد يسبب نوعًا من الملل لدى المتابع أو أن تخسر من خلالها الرواية قيمتها الفنية.
ولد مارتن عام 1948، وأصدر قصته القصيرة الأولى عام 1971، وروايته الأولى عام 1977، وعمل ككاتب للسيناريو في “هوليوود” ولكنه استاء من قيود الإنتاج والتكاليف وزمن الحلقات لذا عاد لكتابة الكتب.
أسهم في كتابة حلقة من كل موسم من المواسم الأربعة الأولى من المسلسل، وتوقف لاحقًا بعد التزامه بإنهاء الأجزاء المتبقية من الرواية دون الالتهاء بغيرها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :