حنين النقري – عنب بلدي
لعلّ أبرز سمات حياتنا في السنوات السابقة للثورة، هي التركيز على المظاهر والاهتمام الشديد بها، على حساب أشياء أخرى أهم، (بيوت فخمة فارهة، مزارع واسعة، سيارات حديثة، مهور مرتفعة، حلي ذهبية بمئات الآلاف…) الأمر الذي جعل فروقًا اجتماعية وطبقية تبدأ بالبروز والرسوخ في مجتمعاتنا، بالمظهر والمستوى المادي وأسلوب الحياة..
ولعلّ من أفضل دروس الثورة وأكثرها استحقاقًا منا للتفكر والتأمل، هو في تحقيق نوع من المساواة بالظروف على الجميع، مساواة في الضغط النفسي والشدّة، في ظروف العمل وتحصيل المعاش الصعبة، وفي ظروف الحصار الاقتصادي والغذائي على المدن، الذي جعل موائد عائلاتها متشابهة قانعة بالنزر اليسير..
لكن؛ هل ستجعلنا هذه التجربة أقل اهتمامًا حقيقة بالمظاهر مقابل التركيز على أمور أكثر أهمية؟ أم أن مظاهر البذخ والترف ستعود بمجرد تحسّن الظروف عند الطبقة المخملية (في مقابل استمرار الطبقات الأخرى على نمط حياتها القاسي أصلًا!).
هل ستمنحنا أيام الحصار الاقتصادي رؤية أخرى لمعنى رغيف الخبز؟ وأن الظروف الصعبة التي نعيشها في ظلّه ثمّة من يعيشها يوميًا من دون حصار!، أم أنها أزمة عابرة ستمرّ، وتمر معها جميع دروسها؟
هل لنا أن نتفكّر للحظة –يفضل أن يكون ذلك تحت القصف- أن القصف لا يميّز بين بيت فخم مترع بوسائل الراحة والرفاهية، وبين بيت بسيط رقيق الحال!
ستسألني، هل هي دعوة للتقشف واعتزال الدنيا؟
ليس الأمر هكذا حتمًا، لكنّها دعوة للتفكر، بجدوى ما حولنا، بأهميته، بما يستحقّ تركيزنا وإصرارنا أكثر، دعوة لمقارنة حالنا قبل الثورة –وتقديرنا للنعم- مع حالنا أثناءها، والتخطيط على ضوء هذه المقارنة لحياتنا بعد النصر بإذن الله..
دعوة للاهتمام أكثر، بالأمور والزوايا التي اكتشفنا أن القصف ما دمرها، والنزوح ما أفقدنا إياها!، الجوهر الطيب، الفكر، الثقافة، العلم النافع، المهارة المفيدة..
ولنا في التهجير التاريخي من فلسطين لعبرة (ولعلّ السبب الذي يدفع الفلسطينيين إلى الاهتمام بالعلم بشكل واضح حتى اللحظة، هو أن ذو العلم والثقافة والحرفة ما كان حاله عقب التهجير كحال مالك البيوت والأراضي والضيع حسرة وخسارة!)، حالنا مختلف عنهم بالطبع، لكنّ دروس التاريخ للجميع..
سننتصر بإذن الله، وسنعمر بيوتنا وشوارعنا، من الرائع أن تكون بيوتنا بهية المظهر وجميلة الأثاث مجددًا، تؤمن لنا الراحة التي ننشدها وتلبّي ما نحتاج، لكن الأجمل ألا يكون ذلك على حساب الاهتمام بأمور أخرى تحققنا بأنفسنا أنها أكثر نفعًا لنا، ألا تكون القشور على حساب الجوهر والسكينة والراحة النفسية..
الأجمل أن نركّز في بناء بلدنا على أن يكون ذلك بجهدنا وسواعدنا، بما يتوافر لنا من مال وإن قلّ، لا على حساب شركات أجنبية وإثقال كاهل البلد بالديون، أن نركّز جهدنا على إلغاء الفروق الطبقية وتقليلها قدر الإمكان، وأن نستذكر صعوبة حياتنا في ظروف الحرب، لنُعين من يعيش هذه الظروف من دون حرب..
ولنحرص كل الحرص، ألا تكون بيوتنا كقصّة صاحب الجنتين، فيها من الخيرات والمظاهر ما يسلب الألباب ويثير العجب، لكن ما ثمة إيمان أو قيم قادرة على تدعيم أركانها…لئلّا تغدو ذات شدّة «خاوية على عروشها» من حيث لا ندري!
بيت أبسط.. وطن أقوى..