عنب بلدي – ضياء عودة | مراد عبد الجليل
في 17 من أيلول عام 2012، وبينما كانت الدول الإسلامية تجهّز أسماء مواطنيها الراغبين بأداء فريضة الحج، أعلن النظام السوري عبر وكالة أنبائه الرسمية (سانا) توقف الحج، “نظرًا لعدم إبرام وزارة الحج السعودية اتفاقية الحج في موعدها المحدد، رغم قيام اللجنة السورية بكل الإجراءات المطلوبة للموسم”.
نقلت “سانا”، حينها، عن “لجنة الحج العليا” في سوريا، التي تضم وزارات الأوقاف والداخلية والصحة والسياحة والنقل، أنه “رغم قيام اللجنة بكل الإجراءات المطلوبة لموسم الحج لعام 1433 هجريًا/2012 ميلاديًا ولعدم قيام وزارة الحج في المملكة العربية السعودية بإبرام الاتفاقية في موعدها كما هو متبع كل عام، فإن موسم الحج الحالي متوقف بسبب ذلك”.
لم يكن ذلك مفاجئًا، بل جاء بعد ستة أشهر من إغلاق الرياض سفارتها في دمشق في آذار 2012، وإقدامها على سحب دبلوماسييها مع تصاعد حدة المظاهرات التي خرج بها السوريون ضد النظام السوري، والذي واجهها بالقوة والسلاح، بعد نشر الجيش السوري وعناصر الأفرع الأمنية في الأحياء المدنية.
ومنذ ذلك الوقت لم يعد هناك أي عمل للجنة الحج العليا التابعة للنظام السوري، وتحول الأمر إلى ذات اللجنة، لكن بنسخة مختلفة تتبع للمعارضة الممثلة بالائتلاف السوري المعارض، والذي تسلم الملف بشكل كامل، في الأول من أيار 2013، الأمر الذي اعتبر ضربة سياسية للنظام السوري، على اعتبار أن ملف الحج “سيادي” لا يزال خارج سلطته الإدارية حتى اليوم.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف كيفية تعامل النظام السوري، على مدار السنوات الماضية، مع الملف الذي خسره، والآلية التي عملت عليها المعارضة السورية بعد تسلمه، لا سيما أنها لم تكن تملك الخبرة المسبقة بإدارته، سواء التعامل مع السعودية كدولة أو الإجراءات الخاصة به والتي تختلف بين عام وآخر.
التأكيد على “التسييس”
سار النظام السوري على وتيرة واحدة منذ سحب الملف من يده، وكان يوجه اتهامات، في كل عام، للسعودية بحرمان السوريين من أداء فريضة الحج، واعتبر أن شرط الاستطاعة لأداء ركن الحج “غير محقق”، بسبب تسييس الفريضة من قبل الرياض، رغم عمل المعارضة السورية على اختيار أسماء الحجاج من داخل مناطقه ومناطق سيطرتها، كخطوة من شأنها إبعاد الفريضة عن التسييس، وتجنب حرمان أي سوري منها.
اللافت في بيانات النظام السوري وتصريحاته، بشأن سحب الملف، على مدار الأعوام الثمانية السابقة، تأكيدها على “التسييس”، بعيدًا عن أهمية ملف الحج كشعيرة دينية للسوريين، وكان ذلك حاضرًا بشكل كبير في التصريحات الأخيرة لوزير الأوقاف، محمد عبد الستار السيد، الذي أكد في لقاء مع موقع “روسيا اليوم”، في آذار 2019، أن “منع السلطات السعودية للسوريين” من أداء فريضة الحج “قرار سياسي”، وهو “جريمة دينية وأخلاقية ودولية”، مشيرًا إلى أن وزارتي الأوقاف والخارجية السوريتين “بذلتا كل الجهود وأرسلتا عدة رسائل، لكن مع الأسف، لا منظمة التعاون الإسلامي، ولا رابطة العالم الإسلامي، ولا جامعة الدول العربية (…) لم يتحرك أحد”.
وبالاستناد إلى الرواية الرسمية للنظام، فمن الواضح أن الرياض عملت على تسييس الملف في الحالة السورية، وبقاؤه بيد المعارضة، دليل على الاعتراف بها كجهة ممثلة للسوريين، بعيدًا عن النظام السوري، الذي يعتبر “فاقدًا للشرعية”، وفي حال عودة الملف ليد النظام في السنوات المقبلة، إن تم ذلك، فإن الخطوة تعطي مؤشرًا على تغيير الرياض سياستها، بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين الطرفين.
ومع توالي السنوات، ربما كان ما مر به الملف عام 2019 الأبرز والأكثر حساسية، فتوقيع العقود مع المعارضة السورية جاء في وقت بدأت فيه بعض الدول العربية بإعادة علاقاتها مع النظام السوري، بينها الإمارات والبحرين، وتوجهت في ذات الوقت الأنظار إلى الرياض، التي لم تغير سياستها حتى الآن، وأعطت، بالتوقيع مع المعارضة، موقفًا واضحًا عن عدم عودة العلاقات مع النظام في الوقت الحالي.
يقول رئيس الائتلاف السوري، عبد الرحمن مصطفى، إن “الائتلاف” من خلال لجنة الحج السورية العليا مستمر منذ سبع سنوات في إدارة ملف الحج باعتباره “الممثل للشعب السوري”، ويتم تنسيق العمل بالتعاون مع وزارة الحج والعمرة في المملكة العربية السعودية.
ويضيف مصطفى، في حديث إلى عنب بلدي، أن الخدمات والفرص تقدم لجميع السوريين الذين يتمكنون من أداء هذه الفريضة دون أي استثناء أو تمييز.
تتعامل الرياض مع “الائتلاف السوري” كأي دولة أخرى، بحسب مصطفى، الذي يوضح أن التعامل يتم بطريقة احترافية ونظامية، ووفق الشروط المتبعة مع الدول والبعثات كافة، حتى النسبة التي يحصل عليها السوريون هي وفق الشروط والقوانين وتتناسب مع المعايير التي تتبناها المملكة، معتبرًا أنه “لا توجد أي ضغوط أو مخاوف تجاه استمرار هذه الخدمات واستمرار التعاون”.
المعارض السوري، أيمن العاسمي، الذي يشغل منصب المتحدث الإعلامي لوفد المعارضة إلى “أستانة”، يرى أن ملف الحج من أهم الملفات في الشؤون الدينية بسوريا، وبمجرد أخذه من يد النظام السوري، فهو انتقاص من سيادته، و”اعتراف أن المعارضة ممثل عن الشعب السوري على الأقل في هذا الموضوع”.
ويقول العاسمي، في حديث إلى عنب بلدي، إن ملف الحج ليس قضية خدمية فقط، بل هي قضية سياسية أيضًا تتعلق بالاعتراف بالمعارضة كونها ممثلًا للشعب السوري، وتنتقص من سيادة النظام السوري غير الموجود، خاصة أنه حاليًا لا يمسك سوى ببعض الملفات التي يعتبرها “سيادية”.
وبوجهة نظر المعارض السوري، فإن الجهة التي تمسك بملف الحج حاليًا هي “الائتلاف السوري المعترف به دوليًا”، وهذا الأمر له معنى سياسي كبير، وبما أن الملف يتعلق بالسعودية تحديدًا وهي التي توافق عليه، يدل ذلك على أن الموقف السعودي لا يزال على عداء مع النظام السوري ووفاق مع المعارضة السورية.
من جانب آخر يعتبر العاسمي أنه وبمجرد خروج الملف من يد المعارضة لصالح النظام يعطي ذلك تغيرًا في الموقف السعودي، “وفي هذا الملف لا يوجد تغيير، بل توجد ضغوط على النظام من خلاله”.
ورغم التسييس الذي يرتبط بالملف، يرى المعارض السوري أن ملف الحج حق للسوريين، والنظام السوري هو من عمل على تسييسه في أثناء إدارته له قبل انتقاله ليد المعارضة، مشيرًا إلى أن “المعارضة قادرة على إدارة الواجب أكثر من النظام السوري، الذي تتحكم روسيا وإيران بجميع ملفاته السيادية المتبقية له”.
النقطة الأساسية التي أكد عليها المعارض السوري هي أن المعارضة السورية، ومنذ استلامها لملف الحج لم تميز بين السوريين، سواء في مناطق النظام أو المعارضة، بمعنى أنها لم تسيس الأمر، إذ حرصت على اختيار الأسماء من جميع المناطق، وأدرجت ضمن المنحة الملكية التي حصلت عليها، موسم عام 2018 لـ 200 شخص، أسماء من مناطق النظام السوري (بلغ عددهم 70) وآخرين من مناطق الشمال السوري ودول اللجوء الأخرى.
لمن استطاع تخطي المخابرات
لم يقتصر موقف النظام السوري على التصريحات والبيانات في رده على خروج ملف الحج من يده طوال السنوات الماضية، بل اتخذ عدة إجراءات أمنية، خصّت السوريين في مناطق سيطرته، والراغبين بأداء الفريضة، عن طريق تسجيل أسمائهم في المكاتب التي تتبع للجنة الحج العليا التابعة للمعارضة السورية.
وفي وقت كان فيه الحج بالنسبة للسوريين “لمن استطاع إليه سبيلًا”، أصبح بعد عام 2013 لمن استطاع تخطي عتبة فرع المخابرات السورية “رقم 230″، أو كما يطلق عليه السوريون “فرع فلسطين”، بمعنى أن الحج أصبح لمن يجرؤ أن يقول لعسكري في النظام السوري “أريد أن أذهب إلى مكة مع لجنة الحج العليا التابعة للائتلاف السوري، المعارض لكم”.
في عام 2017 ذكرت عنب بلدي في تقرير لها، نقلًا عن أحد الحجاج، أن فرع فلسطين في دمشق استدعى الحجاج السوريين العائدين من السعودية، عقب دخولهم إلى الأراضي السورية من الحدود السورية- اللبنانية.
وقال الحاج (طلب عدم ذكر اسمه حينها) إن جميع الحجاج العائدين تم استدعاؤهم إلى الفرع، في أثناء عبورهم إلى سوريا عبر الحدود اللبنانية، دون تحديد أسباب الاستدعاء، على أن تتم المراجعة بعد ثلاثة أيام من دخولهم، موضحًا نقلًا عن مصادر أمنية أن العملية عبارة عن “إجراءات أمنية روتينية، يتم مساءلة الحاج خلالها عن إجراءات وتفاصيل السفر”.
وانتشر تسريب قبل سفر الحجاج السوريين إلى المملكة السعودية، في العام المذكور، عن تعميم داخلي لجميع أفرع إدارة الهجرة والجوازات، ووقع عليه مديرها العام اللواء ناجي النمير.
وأفاد التعميم: “وردت معلومات تفيد بقيام عدد من مكاتب الحج والعمرة في لبنان، بتأمين تأشيرات دخول لعدد من السوريين إلى السعودية عن طريق سفاراتها لتأدية الحج تحت إشراف الائتلاف السوري المعارض”، داعيًا إلى “عدم السماح للمواطنين السوريين الممهورة جوازاتهم بتأشيرات الدخول إلى السعودية بمغادرة القطر، إلا بعد تكليفهم بمراجعة شعبة الفرع 023 (فرع فلسطين)”.
وبحسب رئيس “الائتلاف السوري”، فإن النظام السوري “يسعى بكل الوسائل إلى خلق الفوضى في كل الملفات، ولا شيء مستغرب في محاولاته الرامية إلى إرباك عمل اللجنة”، مشيرًا إلى أن المعارضة تدير الملف “بموقف قوي”.
توازنات الائتلاف السياسية تعيق عمل اللجنة
في الجهة المقابلة، لم تكن إدارة الملف من قبل المعارضة السورية بالأمر السهل بسبب محاولة الائتلاف المعارض، الذي يتهم بإفشال ملفات لو أنجزت لأسهمت في تخفيف معاناة السوريين في دول اللجوء وأهمها ملف جوازات السفر، الهيمنة على اللجنة والتدخل في إدارتها وعملها.
وتحول الملف إلى يد المعارضة السورية في نهاية 2012 عندما بدأت “رابطة علماء الشام” بكتابة “مشروع الحج” في مقرها بالقاهرة، وتقديمه من قبل رئيسه آنذاك، أحمد معاذ الخطيب، لتتم الموافقة عليه من قبل المملكة السعودية، في موسم 2013، ولتبدأ مراحل تشكيل “لجنة الحج العليا السورية” وهي مؤسسة خدمية غير ربحية ومستقلة إداريًا، بحسب ما ذكره الائتلاف على موقعه الرسمي.
وعلى الرغم من استقلالية اللجنة حاول بعض القائمين على الائتلاف خلال الأعوام الماضية التدخل في عملها وتغطية نفقات الائتلاف من أموال الحجاج السوريين، بحسب ما قال مصدر مطلع على علاقة الائتلاف بلجنة الحج، وأشار لعنب بلدي إلى أن المحاولة رُفضت من قبل بعض الأشخاص داخل الهيئة السياسية في الائتلاف، بعد نقاشات حادة، وطالبوا باستمرار استقلالية اللجنة في عملها.
ويعين الائتلاف “إدارة عليا للحج” تتكون من عدة أشخاص، كان سابقًا يرأسها الأمين العام للائتلاف، الذي يشغله نذير حكيم، لكن العام الحالي أصبح رئيس الائتلاف، عبد الرحمن مصطفى، نفسه رئيس لجنة الحج العليا السورية.
وأشار المصدر إلى وجود إشارات استفهام حول معايير اختيار الإدارة وآلية عملها وتوصيفها ومهامها، مشيرًا إلى أن تعيين أعضائها قد يكون بناء على توازنات سياسية ضمن الائتلاف، لافتًا إلى أن هذه الإدارة العليا بدأت بالتدخل في الجهاز الإداري للجنة وعملها.
من جهته، قال مدير المكتب الإعلامي في لجنة الحج، عبد الرحمن النحلاوي، إن الحج ملف ضخم يتمثل هذا العام بمتابعة شؤون 22500 حاج سوري متوزعين على عدة بلدان، وتضاف على عاتق هذا الكادر ضغوط غير مهامهم وانشغالهم بخدمة الحجاج، منها الضغوط الأمنية والإعلامية التي يمارسها النظام عليهم، إضافة إلى التعامل مع مكونات الائتلاف والتوازنات فيما بينها، إذ يضطر الكادر إلى تحمل تغيير آلية التعامل مع الائتلاف بعد كل تغيير لأعضاء اللجنة العليا التي يشكلها الائتلاف ويضع أسماءها حسب التوازنات السياسية بين مكوناته، إلى جانب التعامل مع ضغوطات الفصائل الموجودة في الشمال السوري المحرر والتوازنات بينها، والتعامل مع المجلس الإسلامي السوري ومراعاة التوازنات بين مكوناته.
لجنة مراقبة بعد اتهامات بالفساد المالي
عين الائتلاف لجنة مراقبة على لجنة الحج، تتألف من أربعة أشخاص، يرأسها صفوان الجندلي، إلى جانب ثلاثة أشخاص (إعلامي وإداري وشرعي) ويتم تعيينهم من قبل رئيس الائتلاف والهيئة التأسيسية.
وجاء تعيين لجنة المراقبة من أجل تدقيق الأمور المالية، بعد اتهام بعض أعضاء الائتلاف للقائمين على لجنة الحج بوجود فساد مالي، بحسب المصدر الذي تحدثت إليه عنب بلدي، لكن تدقيق الحسابات المالية أظهر عدم وجود أي تلاعب.
في حين اعتبر رئيس لجنة المراقبة، صفوان الجندلي، أن تعيين اللجنة من أجل مراقبة أعمال لجنة الحج والوصول معها إلى خدمة أفضل وأمثل للحجاج السوريين.
وقال الجندلي لعنب بلدي إن مهام اللجنة هي مراقبة العقود مع شركات الطيران وكيفية اختيار الحجاج ومتابعة الأمور المالية والخطوات التي تقوم بها لجنة الحج، مضيفًا أن لجنة المراقبة ليست لها سلطة على لجنة الحج ولا تتدخل في عملها، وإنما تسعى بالتعاون معها إلى تحسين عملها عبر تقديم اقتراحات تتعلق بالأمور المالية أو العقود، ويتم مناقشتها في الاجتماع الدوري كل شهر، إلى جانب مساعدتها في حل المشاكل والشكاوى التي تأتي إلى لجنة المراقبة من رؤساء الأفواج.
الحج من تسجيل الملاحظات إلى التكريم
تحاول لجنة الحج إحداث نقلة نوعية في ملف الحج السوري وتحسين صورته أمام الدول الإسلامية والسعودية، وذلك عبر كادر شبابي تم اختياره بناءً على مؤهلات ودون محسوبيات، إلى جانب توجيه البوصلة نحو هدف واحد وهو خدمة الحجاج والارتقاء في الملف وبناء مؤسسة بمعايير مهنية حديثة، بحسب ما أكده مدير لجنة الحج سامر بيرقدار.
وقال بيرقدار، في حديث إلى عنب بلدي، إن لجنة الحج تميزت بوجود كوادر ذات خبرة، إلى جانب طاقة الشباب الذين حطموا قيود الفساد والمحسوبية وتمكنوا من إنشاء مؤسسة تكون مثالًا يقتدى به، إذ عملت اللجنة منذ تسلمها الملف في 2013 على الارتقاء بخدمة حجاج سوريا عبر خطوات أولاها محاربة بيع التأشيرات كما كانت سابقًا ومنعها بشكل كامل، إلى جانب تحسينات الخدمة والسكن في مكة والمدينة، واستحداث آلية لتقييم المجموعات، وربطها بعدد الحجاج الممنوح للمجموعات في العام التالي، ما يحفز المجموعات على تطوير خدماتها المقدمة لحجاج سوريا.
كما أدخلت اللجنة عنصر الشباب في المجموعات، بحيث تتميز الخدمة والمعرفة والعلم في الشباب، وعلى مدى ست سنوات ارتفع عدد العاملين في ملف الحج من 35 عاملًا للعام الأول إلى أكثر من 900 إداري أغلبهم من الشباب، ومتوسط أعمارهم 34 سنة.
وأشار بيرقدار إلى أنه بعدما كانت المؤسسات التابعة لوزارة الحج السعودية تسجل ملاحظات على الحج السوري سابقًا، بدأت منذ 2016 بتكريم لجنة الحج السوري لمتابعتها وتطويرها وتميزها وخدماتها للحجاج السوريين، ما جعل اللجنة تتحول من آخر الدول إلى أفضل الدول الإسلامية في خدمة الحجاج.
ضغوطات إدارية مضاعفة
لا يخلو عمل لجنة الحج من صعوبات متعددة، من أبرزها صعوبة الحصول على التصاريح الرسمية من الدول التي تتعامل اللجنة معها، كون الدول لا تتعامل مع اللجنة كممثلة لسوريا وإنما منبثقة عن معارضة أوكل إليها تسهيل أمور الحجاج السوريين، إلى جانب تشتت الحجاج السوريين في عدة دول، ما يسبب ضغطًا إداريًا مضاعفًا، لضرورة متابعة شؤون الحجاج في عدة بلدان والتواصل مع أجهزة الدول التي تضم مكاتبها والتنسيق مع خارجياتها.
واعتبر بيرقدار أن ذلك يرتب على اللجنة صعوبات تتمثل في التعامل مع قوانين متعددة تختلف باختلاف الدول المضيفة لمكاتب اللجنة، إضافة إلى عدم وجود ناقل وطني (طيران) ما يضع على اللجنة عبء التعاقد مع شركات طيران، إذ يتم التعامل مع حوالي سبع شركات بمختلف الدول التي يسافر منها حجاج سوريا، ليتم التعاقد معهم ووضع جدول للطيران ومراقبة الرحلات.
ومن صعوبات عمل اللجنة تدهور الليرة السورية، الأمر الذي سبب ارتفاعًا في التكلفة على الحاج السوري والتي وصلت إلى 2560 دولار العام الماضي، وعدم موافقة بعض الدول على فتح حسابات بنكية لإجراء التعاملات المالية، إضافة إلى قلة أو غياب الأدوية في البعثة الطبية، وعدم قدرة اللجنة على فتح مكاتب لخدمة الحاج السوري في كثير من الدول.
مكاتب سياحية متضررة
في الوقت الذي يهاجم فيه النظام السوري الرياض ولجنة الحج العليا التابعة للمعارضة السورية ويتهمها بتسييس الملف و”حرمان السوريين من الفريضة”، وما يرافق الأمر من الإجراءات الأمنية المذكورة سابقًا، يبرز ما تعمل عليه المكاتب السياحية العاملة في مناطق سيطرته، من حملات تشويش، بعد تضررها بشكل كبير بسبب خروج الملف من دمشق إلى يد “الائتلاف السوري”.
ويتعلق الضرر الذي لحق بالمكاتب السياحية بخسارة العقود التي كانت تبرمها مع وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، سابقًا، لبيع البرامج السياحية وبرامج الحج والعمرة بعد الإعلان عنها للمكاتب المرخصة أصولًا.
وبحسب مدير المكتب الإعلامي في “لجنة الحج العليا”، عبد الرحمن النحلاوي، تضررت مصالح المكاتب السياحية بشكل كبير، كونها غير قادرة على التعاقد مع لجنة الحج، وبالتالي تسعى إلى إفشال العمل الذي تسير فيه، كخطوة لعرقلته وإعادته ليد النظام السوري، وبالتالي عودة تجارة المكاتب السياحية والعقود السنوية التي كانت تبرمها.
وبموجب قرار وزارة السياحة رقم “1111”، في أيار 2009، سمح النظام السوري لمكاتب الحج والعمرة بالحصول على العقود، لكن بشروط بينها أن يكون العقد لعام هجري واحد، وفيما بعد يتم الإعلان عن برامج الحج والعمرة في الصحف والمجلات وأي وسيلة من وسائل الإعلان من قبل المكتب السياحي المرخص له بعقد العمرة والحج.
ويستطيع صاحب المكتب المرخص له العمل في مجال الحج والعمرة (مصدق له عقد عمرة)، بموجب القرار، الإعلان عن رحلات عمرة لدى مكاتب أخرى (مرخصة أصولًا) بعد أن يتقدم بطلب إلى الوزارة (مديريات السياحة المختصة) يتضمن الرغبة بالإعلان وصيغة الإعلان (مدة الرحلة، درجة الفنادق، البعد والقرب عن الحرم، عدد الأفراد في الغرفة- نوعية وسائط النقل).
وفي تصريحات سابقة لوزير السياحة السابق، بشر يازجي، في آذار 2017، قال إن معظم المكاتب التي تعمل في مجال الحج والعمرة أُغلقت نتيجة الحظر على السوريين من أداء هاتين الشعيرتين عبر القنوات الرسمية، الأمر الذي دفع بمكاتب عربية إلى “استغلال حاجة المؤمنين السوريين لأداء الواجبات الدينية، لتأخذ منهم أرقامًا مضاعفة من خلال عمليات نصب واحتيال”، بحسب تعبيره.
آلية عمل لجنة الحج
تحدث مدير الأقسام في لجنة الحج، نور الأعرج، عن آلية وكيفية إدارة العمل، قائلًا إن اللجنة تأسست عام 2013 وهي الجهة الوحيدة المخولة بالإشراف على ملف الحج السوري وفق عقود رسمية توقّع كل عام مع وزارة الحج والعمرة في المملكة العربية السعودية.
وتنتشر مكاتب اللجنة في الداخل السوري ضمن معبري باب الهوى وباب السلامة، أما في تركيا فتوجد ثلاثة مكاتب، في غازي عينتاب والريحانية واسطنبول، إلى جانب مكاتب بيروت وعمّان والقاهرة ومكة المكرمة، ومكاتب مؤقتة في دول الخليج، الإمارات والكويت وقطر.
وتقوم اللجنة في الدول التي تقيم بها بتنسيق عملها مع حكومات تلك الدول، والتي تقوم بدورها بتوجيه الجهات المعنية لتسهيل سفر الحجاج وعودتهم إلى بلدان إقامتهم.
وتُعيّن اللجنة العليا رؤساء هذه المكاتب من أهل الخبرة، يشرفون عليها ويتابعون تقديم خدمات التسجيل والتسديد والفيز والطيران للحجاج.
ويبلغ عدد موظفي اللجنة 66 موظفًا يتوزعون إلى أعضاء اللجنة ورؤساء المكاتب والأقسام، إلى جانب موظفين يصل عددهم إلى 150 موظفًا في مرحلة الذروة يقومون على خدمة الحجاج السوريين.
وتتكون الأقسام الرئيسية للجنة الحج من “قسم المعلوماتية وقسم الإرشاد الديني وقسم السكرتاريا وقسم الموارد البشرية والقسم المالي والقسم الإعلامي، ويرأس هذه الأقسام مختصّون من حملة الشهادات الجامعية ويملكون الخبرة والكفاءة”.
وتقوم اللجنة بتشكيل العديد من اللجان الفرعية يكون أعضاؤها من موظفي اللجنة ومن خارجها، كلجنة التقييم ولجنة الشكاوى والصلح ولجنة الامتحانات العامة، والعديد من اللجان الأخرى التي تشرف على عدد من الملفات المهمة، أبرزها ملف تقييم المجموعات وملف الشكاوى والصلح المعني بالنظر في شكاوى الحجاج ورد الحقوق لأصحابها.
وتكون مهام هذه الأقسام واللجان قبل السفر إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة تنفيذ الخطط والاستراتيجيات المرسومة من لجنة الحج العليا.
كما تقوم اللجنة قبيل السفر إلى مكة بتسمية رؤساء البعثات الأربع، الإعلامية والإدارية والصحية والدينية، وتكون مهامها في مكة المكرمة والمدينة المنورة الإشراف على المجموعات التي تقوم على خدمة الحجاج.
محسوبيات في المنحة الملكية
وعلى الرغم من انبثاق اللجنة عن مؤسسة معارضة للنظام، استطاع القائمون عليها تحييد السياسة والتعامل مع كل شرائح المجتمع بغض النظر عن الانتماءات السياسية للمواطنين، بحسب مدير لجنة الحج، سامر بيرقدار.
وأكد بيرقدار أن اللجنة تتعامل مع الجميع، دون تفريق بين انتماء المواطنين السياسي أو العرقي أو المناطقي، إذ يكون التسجيل للحج لكل السوريين، ويبدأ التسجيل الأولي ثم يتم اختيار العدد المخصص لكل بلد حسب نسبة المسجلين بالتناسب مع العدد المسموح به، ويتم أخذ المواليد الأكبر بنسبة 65% من الحج السوري، ما يعطي الأولوية للأعمار الكبيرة، أما 35% من العدد الممنوح لحجاج سوريا، فيتم سحب قرعة بين الأعمار المتبقية، بما يفتح مجالًا لحج الفئات العمرية الشابة، ليبدأ عقب ذلك تسديد المبالغ المالية لصندوق لجنة الحج، التي تسلمها بدورها للمجموعات على دفعات وتشرف على حسن التنفيذ.
وأكد مدير المكتب الإعلامي، عبد الرحمن النحلاوي، أنه رغم تبعية اللجنة للائتلاف، إلا أن الكادر لا ينتمي سياسيًا لأي كتلة من الكتل المشكلة للائتلاف، وحافظ على مهنية العمل دون الخوض بالمحسوبيات أو التحزبات الضيقة، واستطاع منذ بداية عمل اللجنة تقديم خطاب يستوعب عموم الشعب السوري باختلافاته المذهبية والمناطقية والسياسية.
أصبح الحج المكان الوحيد للقاء مكونات المجتمع السوري، إذ يلتقي الأبناء مع آبائهم وأمهاتهم في مكة بعد خروج كل طرف من بلد مختلف. |
لكن رغم الآلية المتبعة في اختيار الحجاج لا يخلو الأمر أحيانًا من محسوبيات ومحاولة فرض أعضاء الائتلاف لأسماء أشخاص للذهاب إلى الحج، وخاصة في المنحة الملكية التي قدمتها المملكة السعودية إلى اللجنة العام الماضي، إذ خرجت شخصيات عسكرية من مناطق ريف حلب الشمالي إلى جانب شخصيات سياسية من داخل الائتلاف وشخصيات من داخل دمشق محسوبة على النظام السوري، بحسب ما قال مصدر مطلع على اختيار أسماء اللجنة.
وأعلنت السعودية عن تقديم منحة “ملكية” للحجاج السوريين تغطي تكاليف 200 شخص لأداء مناسك الحج، وتشمل المنحة شرائح من المجتمع السوري، بينهم علماء دين وناشطون وصحفيون وعاملون في الدفاع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وذوو الشهداء والمعتقلين، بعيدًا عن توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية، وفق الأمين العام للائتلاف حينها، نذير الحكيم.
من جهته قال بيرقدار إن المنحة هي الأولى التي تمنح للحجاج السوريين، وتم تبليغ اللجنة بتاريخ 1 من ذي الحجة ليلًا (كان الحجاج قد وصلوا إلى السعودية)، وكان على الائتلاف واللجنة وضع الشروط واستلام جوازات السفر من أجل وضع التأشيرات عليها خلال مدة 48 ساعة فقط.
وأكد بيرقدار أن الائتلاف أرسل إلى الكوادر والمؤسسات، وتم وضع معايير عامة لانتقاء الأسماء مثل أهالي الشهداء والجرحى وأهالي المعتقلين إضافة إلى وجهاء من المجتمع، مشيرًا إلى أن عدد الأشخاص من المنحة بلغ 200 اسم توزعت على أربعة بلدان (بيروت 34، الأردن 26، مصر 20، تركيا 40، الشمال السوري 80)، مشيرًا إلى أنه بحسب الطلب المرسل من المقام السامي في السعودية يجب أن تضم المنحة كل شرائح الشعب السوري.