عنب بلدي – حباء شحادة
مر في الأول من نيسان، عيد “آكيتو بريخو”، رأس السنة السورية الـ6769، من التقويم الذي يحتفل فيه السريان الآشوريون مدة 12 يومًا، ورغم تفرد تلك الطقوس وقيمتها التاريخية الغنية بالنسبة لسوريا، لا يعلم جُل السوريين عنها إلا القليل.
تاريخ أسطوري
تعود جذور الآشوريين إلى الإمبراطورية الآشورية التي حكمت بلاد ما بين النهرين قبل ظهور المسيحية بنحو 2500 عام، حملت حضارتهم عادات وتقاليد ارتبطت بتفسيرهم للألوهية وعظمة الطبيعة، وفي حين قضى اعتناقهم للمسيحية، منذ القرن الأول الميلادي، على الكثير منها، إلا أن آثارهم الفريدة قاومت الزمن وقدمت روايتها عن الماضي.
وقال الشاعر والكاتب المتخصص في التاريخ، سعيد لحدو، لعنب بلدي، إن الديانة المسيحية وضعت تلك العادات في خانة “المعتقدات الوثنية”، إلا أنها تحولت إلى “تعابير وطقوس كنسية أسبغ عليها طابع القدسية”، مثل القرابين والتراتيل الكنسية، التي تحاكي تقاليد تقديم طلباتهم للآلهة القديمة عبر الموسيقى والغناء، وكذلك “عيد العذراء لبركة السنابل” الذي يعود لآلهة الخصب “عشتار”.
وقدمت “شبيبة المنظمة الآثورية الديمقراطية”، النشطة في سوريا، لعنب بلدي مثالًا عن عادة تمارسها فتيات القرى السريانية، والتي تدعى “حانو حانو قريثو” إذ يقمن في كل عام، في الأحد الذي يسبق الصوم الأربعيني الكبير، بصنع دمية يطفن بها على البيوت لجمع البرغل والبيض والسمن واللحم وهن يغنين. وبعد الجولة يطبخن الطعام ويأكلن منه تبركًا ثم يقمن بدفن الدمية.
وتعود هذه العادة إلى أسطورة الملك الذي نال النصر على أعدائه بعد أن نذر بتقديم أول من سيصادفه عند عودته قربانًا للآلهة، وشاءت الأقدار أن تلاقيه ابنته الفارسة الشجاعة “حانا”، التي قبلت مصيرها على أن يمهلها أربعين يومًا للاحتفال بالنصر مع رفيقاتها.
وفي اليوم الحادي عشر من أيام الـ “آكيتو”، الذي يعود إلى أسطورة الخلق والخصب، يأتي تقليد “السولافا” للزواج، حيث تمر العرائس من بيت لآخر فيجمعن الهدايا ويوزعنها فيما بينهم.
كما تخرج النساء أول أيام العيد لجمع بعض الندى المتشكل على أوراق الأعشاب لاستخدامه بتخثير الحليب بعد شتاء قاسٍ لا وجود فيه للَّبن. وهذه الحالة لها ارتباط بأسطورة “عشتار” آلهة الخصب وتجدد الحياة بعودة حبيبها “تموز” من عالم الأموات.
وحتى الدبكات الشعبية تحمل في إيماءاتها “معاني خاصة”، تنعكس في الحياة العملية للشعب كالحصاد والكرمة والأعراس والأفراح الأخرى، كما قال الكاتب سعيد لحدو.
أعياد مميزة
توجد الكثير من الأعياد الدينية التي تجمع الطوائف السريانية والآشورية اليوم، حسبما قال لحدو، ومنها: عيد البشارة (حلول المسيح في بطن العذراء)، وعيد الميلاد، ورأس السنة الميلادية.
وكذلك عيد الشعانين (ذكرى دخول المسيح إلى القدس)، وعيد الفصح (يوم قيامة المسيح)، وصوم نينوى (العائد إلى صوم قوم النبي يونس طلبًا لرحمة الله). وهناك أعياد أخرى تشتهر بها كل طائفة بمعزل عن الطوائف الأخرى.
ومن الأعياد المميزة “حانو قريثو”، وهو عيد تراثي قديم يشبه طقوس الاستسقاء، ولكنه “فقد معناه اليوم”، على حد تعبير لحدو، مع تناقص أعداد السريان والآشوريين في مناطقهم بسبب الهجرة.
وقالت “شبيبة المنظمة الآثورية” إن الآشوريين يحيون في كل عام ذكرى من فُقدوا بسبب المجازر التي استهدفتهم، منها ذكرى مجازر سيفو من عام 1915 في 24 من نيسان من كل عام، وذكرى يوم الشهيد الآشوري في 7 من آب والذي يتم فيه إحياء ذكرى جميع “الشهداء الآشوريين أينما كانوا وفي أي وقت من التاريخ”، عن طريق إضاءة الشموع في المنازل والشوارع والساحات العامة وإقامة الأمسيات الفنية التي تليق بالمناسبتين.
في عصرنا الحالي المليء بالصراعات والصعوبات، اضطر عدد كبير من السوريين لمقاساة مرارة الهجرة ومشاكل الانتماء، واصطدموا بقضايا الهوية وتعريف الذات، وتبقى معرفة تاريخنا الغني سلاحنا الأقوى للنجاة بحضارتنا من هذا الحاضر المعتم.