عنب بلدي – يامن مغربي
لا يُختزل تاريخ الدراما اللبنانية في السنوات الماضية فقط، فالفترة التي سبقت الحرب الأهلية اللبنانية، وتحديدًا في الستينيات من القرن الماضي، شهدت نشاطًا فنيًا وثقافيًا واسعًا، وكان للمسلسلات الدرامية نصيبها من هذا النشاط بطبيعة الحال، قبل أن تطغى أصوات المدافع على أي صوت آخر.
ومع صعود نجم الدراما السورية منذ تسعينيات القرن العشرين، استعانت الأعمال الفنية السورية ببعض النجوم اللبنانيين أمثال أحمد الزين وبيير داغر وغيرهم، من الذين شاركوا بأعمال تاريخية أو اجتماعية معاصرة.
حققت الدراما السورية انتشارًا واسعًا، رغم تعرضها للعديد من الأزمات، أبرزها ما سمي “بأزمة النص” في عام 2006، والمقاطعة الأولى في 2007 والمقاطعة الثانية في عام 2011، وانحدار مستوى الأعمال المنتجة ما بين العامين رويدًا رويدًا.
بعد الثورة ونتيجة تدهور الاقتصاد السوري والوضع الأمني ومغادرة الفنيين والفنانين السوريين إلى خارج سوريا، كدبي والقاهرة وبيروت، عادت عجلة الإنتاج اللبناني للدوران، إذ قابل الانحدار السوري صعود لبناني، وهو ما يوضحه الممثل والمخرج المنفذ السوري بسام قطيفان، في حديث إلى عنب بلدي، إذ يقول “لا شك أن نصيب الدراما اللبنانية السنوي ارتفع على خارطة الدراما العربية، لعدة أسباب أهمها: انتقال تصوير العديد من الأعمال السورية إلى لبنان، بالإضافة إلى انتقال عناصر الدراما السورية إلى هناك، وهو ما استفاد منه لبنان، بسبب استقبال بيروت للأعمال السورية والتعامل بانفتاح تجاه الأمر، على عكس الأردن أو تركيا على سبيل المثال”.
ويضيف قطيفان أن الدراما اللبنانية لم تصعد حرفيًا على حساب الدراما السورية، بقدر ما استفادت من الشبه بينهما، خاصة أنها، أي الدراما اللبنانية، مؤهلة أكثر كبديل للدراما السورية، إضافة للحالة الرقابية الأوسع نسبيًا، وهذا ما أسهم بالانتشار الأخير للدراما المشتركة، فلبنان أخذ من سوريا كتّابًا ومخرجين وممثلين أيضًا، إضافة لتوافر تقنيات حديثة مؤخرًا نتيجة هذه التشاركية.
أزمات متلاحقة في سوريا
انخفاض كم الإنتاج الفني السوري ورداءته وظروف الحرب في سوريا أدى إلى انخفاض سعر الساعة التلفزيونية، التي كانت سابقًا بحدود 30 ألف دولار للساعة الواحدة، ليصل سعرها إلى حدود 500 دولار أمريكي فقط.
الشركات السورية مجبرة على القبول بأي سعر نتيجة غياب العرض عليها سوى من القنوات اللبنانية والعراقية بمعظمها، تزامنًا مع ارتفاع سعر الدولار الأمريكي، ما يعني انخفاض أجور الفنانين السوريين، وهذا ما جعل الشركات المنتجة تستغل هذه النقطة أيضًا، عدا عن الانتشار الذي سيحصل عليه الممثل السوري عند مشاركته في أعمال غير سورية بالكامل.
رب ضارة نافعة
وكان لمقاطعة القنوات الخليجية للدراما السورية ومنع الأعمال السورية من العرض على القنوات الخليجية بالغ الأثر في تحول الفنانين السوريين إلى مناطق أخرى للعمل، فاتجه بعض الفنانين إلى الدراما المصرية والآخر إلى الدراما اللبنانية تحت اسم الدراما المشتركة، التي تجمع فنانين من كلا البلدين، سواء كان بهوية سورية أم غيرها.
لم تكن مقاطعة الخليج العربي وحدها السبب لهذه الهجرة، فانفتاح شركات الإنتاج اللبنانية ومحاولاتها الاستفادة من ضعف الدراما السورية باستمالة واحتكار النجوم السوريين أصحاب الشعبية الواسعة في العالم العربي (تيم حسن مثالًا) كانت العامل الأبرز، فاستفادت شركتا “صباح” و”ايغل فيلم” من هذه الحالة، خاصة مع وجود تنافسية عالية بين الشركتين وصلت إلى مصر أيضًا من جهة وإلى محطات التلفزة اللبنانية، فجمال سنان، صاحب شركة “ايغل فيلمز” مرتبط بمحطة “LBC” اللبنانية المنافسة الأبرز حاليًا لقناة “MTV”، المرتبطة بأعمال صادق الصباح.
هذا التنافس الكبير بين المحطتين يعطي فرصة لكلتا الشركتين لتصريف الأعمال التلفزيونية المنتجة، وهذا ما يؤكده جمال سنان في حديث مع صحيفة “العربي الجديد”، في 17 من أيار 2018، إذ يقول، “أتمنى استمرار الشراكة مع الشيخ بيار الضاهر ومحطة LBC لعشر سنوات مقبلة”.
الصباح بدوره استفاد من العامل السوري ونجح في استثماره، فعرضت مسلسلاته على قنوات إسبانية، وعرضت شبكة “Netflix” مسلسل “الهيبة”.
ورغم كل المحاولات لصعود الدراما اللبنانية عن طريق السوريين وتعبيد الطريق أمام أعمال لبنانية خالصة، يتحدث النقاد اللبنانيون عن ضعف المستوى الفني لهذه الأعمال المحصورة بغالبيتها بدراما تتناسى الطبقة الوسطى وتتحاشى الحديث عن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها لبنان، وتحديدًا تلك المرتبطة بالفساد والطائفية والوضع الاقتصادي الصعب، وحصرها بدراما القصور الفخمة والخيانات الزوجية، وهو ما يرجعه النقاد إلى ضعف السيناريوهات المكتوبة بالأساس.
للإعلان دوره في الانتشار
فيما يتعلق بدور المعلنين الذين تستند إليهم الدراما اللبنانية بشكل واضح، يشير بسام قطيفان إلى أن المعلنين هم شريك بشكل غير مباشر بنجاح الأعمال الدرامية، إضافةً إلى جاذبية العمل بحد ذاته للمعلنين والمشاهدين على حد سواء.
ونفى أن تكون الدراما السورية قد انهارت، لأنه في الأساس لم تكن هناك صناعة دراما حقيقية في سوريا، بل هي طفرة نتيجة انتشار الفضائيات، فلم يكن هناك سوى قناتين أرضيتين في سوريا، الأولى والثانية، ومع انتشار الفضائيات أصبحت بحاجة لملء شواغر ساعات البث لديها، من وجهة نظر قطيفان.
وكان الإنتاج في سوريا تطور تدريجيًا، بحسب قطيفان، “عملنا في البداية على أعمال متواضعة الإنتاج والرؤى، قبل أن نظهر شركات إنتاج أكبر، بإمكانيات أكبر، بدأت بوضع ميزانيات أضخم، ما أسهم لاحقًا بتغيير الموضوعات التي تطرحها الدراما السورية، والتي أصبحت تتحدث عن هموم المواطن العربي، لا السوري فقط، خاصة الأعمال التاريخية منها”.
ويؤكد قطيفان أن الدراما تشهد موجة تراجع حاليًا، خاصة مع غياب أرضية مناسبة للعمل، وأهمها الاستقرار، إلا أنها لم تنتهِ بالتأكيد، وربما بمجرد عودة الاستقرار، ستعود الأعمال بشكل أفضل.
لا صناعة في سوريا
فيما يخص صناعة العمل الفني في سوريا، وعجز القائمين على الدراما عن تحويلها إلى صناعة متكاملة، يقول قطيفان إن ذلك كان نتيجة غياب التجمعات الإنتاجية الكبيرة، كمصر مثلًا، والتي تملك إرثًا فنيًا كبيرًا وإنتاجًا أضخم، وعدد منتجين أعلى من نظيره السوري، إضافة للإنتاجات المشتركة بين المنتجين، والتوزيع، والقدرة على اختراق المحطات، كما أن سوق الإعلانات أكبر أيضًا، وهو ما لم تعمل عليه الدراما في سوريا.
وحتى في مصر الصناعة في تراجع، يقول قطيفان، ضاربًا مثالًا بالتجربة النيجيرية، حيث قامت صناعة للسينما هناك، وأسهمت لاحقًا بشكل ضخم في الاقتصاد.
“تجربة رائعة للغاية، أقاموا مدينة سينمائية على غرار هوليود، تحت اسم نيولود، وتصل الإنتاجات السينمائية هناك إلى ما يقارب 900 فيلم سنويًا”، يوضح المخرج السوري.
ما العوامل التي قد تعيد الدراما السورية
عملية الإنتاج لم تكن تسير بشكل “صحي” في سوريا، لأن الإنتاج يحتاج لرأس المال أولًا، والإمكانيات التقنية ثانيًا، ولن يتشجع المنتج على ضخ الملايين إذا لم تكن لديه ثقة بأن المال المدفوع، سيعود بالأرباح عليه.
وفي كل الإنتاجات السورية، لم يكن الإنتاج صحيًا، خاصة فيما يتعلق بأجور الفنيين خلف الكاميرا، والتي لا تضاهي ما يحصل عليه الممثلون، وطالما لا يوجد توزيع جيد، فلن تمضي عجلة الإنتاجات بشكل صحيح.
ويختم قطيفان، “إذا بقي الحال على ما هو عليه، ستعود سوريا إلى زمن كان الإنتاج فيه لا يزيد على عملين على الأكثر، وبكل الأحوال، نحن لا نتحدث عن بلد يمر بظروف طبيعية، بل بلد يعيش وسط كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى”.