عسل الزلوع والبراميل المتفجرة

  • 2019/04/14
  • 12:00 ص

إبراهيم العلوش

ينظر السوريون اليوم بحسد إلى أدوار الجيشين الجزائري والسوداني، ومن قبلهما الجيش التونسي، ويشعرون باليتم وهم يطردون من وطنهم على أيدي جيشهم، ويتم قتل أبنائهم على أيدي ضباط هذا الجيش في المعتقلات، وعلى الحواجز، وبقذائف سلاح المدفعية، وبصواريخ سلاح الطيران، وبغازات سلاح التدمير الشامل.

فقد هزت التظاهرات المتجددة في الربيع العربي ديكتاتور الجزائر بوتفليقة، وأزاحته عن منصبه قبل أسابيع، وقبل أيام أثمرت الاحتجاجات السودانية الإطاحة بالدكتاتور عمر البشير. وكلا التحولين كانا بمعونة الجيش الوطني لكل من البلدين.

وفي نفس الوقت الذي تجري فيه هذه التحولات الكبيرة، ينهمك الإيرانيون والروس في تقاسم قطعات الجيش السوري، والهيمنة على قياداته وأجهزة مخابراته، بعدما أنجزت تلك القطعات تدمير سوريا وتهجير شعبها، فقادة الجيش الذين رفضوا السماع لمطالب الشعب السوري منذ 2011، أصروا على لعب دور تخريبي أوصلهم إلى هذه الحالة من التحول إلى غنائم للمحتلين الأجانب، فقادة الجيش صدّقوا أنهم مجرد ضباط في جيش الأسد، وليس في جيش الوطن والشعب السوري، وقد أصر كبار القادة على قيم الولاء الشخصي والزبائني لعائلة الأسد وهي تمعن في القتل.

فمنذ أحداث الثمانينيات في القرن السابق، تفرغ الجيش لأعمال الاعتقال والتعذيب عبر ما يسمى “شعبة المخابرات العسكرية” التي تتبع لقيادة الأركان، بالإضافة إلى أعمال التدرب على المذابح في لبنان، والتي غيرت مفهوم المواطن والإنسان إلى مجرد شيء يمكن استغلاله أو التخلص منه، ورميه في مكبات تدعى المقابر الجماعية أو الفردية، وهذا ما قامت به هذه القوات ببراعة، وبولاء مطلق لعائلة الأسد التي فرضت عبر عشرات السنين على الجيش شعار “قائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد”، والذي يتحتم على كل عناصر الجيش وضباطه ترديده في الاجتماع الصباحي تحت طائلة الاعتقال والتصفية.

في المراحل اللاحقة لمذابح الثمانينيات وبعد أن وجد الجيش نفسه ممنوعًا من التفاعل مع الناس ومع احتياجاتهم، تفرغ ضباطه إلى إنتاج الشركات والمزارع، ومنها مؤسسة الإسكان العسكري التي نهبها خليل بهلول ورحل بأموالها، ومؤسسة الإنشاءات العسكرية التي استولى عليها آل شاليش، ومزارع عصافير الفري وخطوط إنتاج عسل الزلوع التي كانت برعاية مصطفى طلاس، إذ يتفرغ لإدارتها ونهب أموالها، بالإضافة إلى عمله الأساسي المتمثل بتواقيع الإعدامات الجماعية للمعتقلين، وبأوامر شفهية من قائدنا إلى الأبد!

لقد استطاعت عائلة الأسد وأقاربها وزبائنها تحويل مؤسسة وطنية مهمة، إلى مؤسسة تخريب وتدمير شامل للوطن السوري، رغم أن الشعب السوري هو من يدفع تكاليف وجودها من رواتب وأثمان معدات ومصاريف باهظة، وهذه المؤسسة اليوم خاضعة للتقاسم بين الأطراف الدولية، مثلها مثل الأراضي السورية كلها، والتي تخضع لتقاسم النفوذ الذي يجري تحت ستار شفاف وواهٍ، هو الحفاظ على خريطة سايكس بيكو ونظام عائلة الأسد.

إنتاج عسل الزلوع كان أكثر المنتجات العسكرية التي نالت دعاية وإعلانًا، وكل دعاياتها كانت ممهورة باسم إنتاج “الجيش العربي السوري”، ولا توجد أي ظاهرة عسكرية سيطرت على السوريين بعد الاعتقال والتعذيب، إلا إعلانات إنتاج عسل الزلوع، وقد جاء لاحقًا إنتاج البراميل المتفجرة ابتكارًا إنتاجيًا مزلزلًا حمل اسم الجيش السوري، وسطّر ضباطه أسماءهم كمسهمين أساسيين في تدمير سوريا.

ما الذي جعل هذا الجيش يتحول إلى جيش انكشاري قائم على النهب والسلب والقتل الجماعي؟ وما الأسباب التي جعلته أسيرًا لعائلة الأسد ومن بعدها للمحتلين الروس والإيرانيين؟

لقد سقطت سوريا على أيدي ضباط هذا الجيش الذين لا يزالون يصرون على ألوهية الأسد، وعلى الاستخفاف بكرامة السوريين عبر حمايتهم للمعتقلات، ومواقع التعذيب، وممارسة التدمير والتهجير، ورغم الإهانات العلنية للأسد من قبل المحتلين، فإن هذا الجيش يرفض العودة إلى الولاء للوطن، حتى وهو يتحول إلى غنيمة يتقاسم ما تبقى منها الروس والإيرانيون علنًا، وعبر وسائل الإعلام.

لماذا تحول هذا الجيش إلى هذه الأدوار، وماذا جنى من ذلك غير المزيد من الهزائم التي لن يسهل على من تبقى من قادته محو عارها، مهما كانت القوى والدول الداعمة لآلة القتل الهائلة التي كان يديرها هذا الجيش؟

هذا السؤال برسم السوريين جميعًا، وبرسم ضباط وعناصر الجيش الحر الذين رفضوا ممارسة القتل ضد السوريين. وهو سؤال أساسي، لن تبنى سوريا الجديدة دون الجواب عنه.

مقالات متعلقة

  1. ثلاثة ملفات عربية ساخنة
  2. الجيش السوداني يعلن اقتلاع نظام البشير ويفرض حالة الطوارئ
  3. السودان والجزائر نحو التغيير.. في طرابلس معارك عقيمة
  4. استمرار الاعتصام أمام مقر الجيش في الخرطوم.. قوات الأمن تستخدم "السلاح"

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي