ماذا بوسع رجل واحد أن يفعل ؟
20داريا – جريدة عنب بلدي – العدد 29 – 9-9-12
عتيق – حُمص
التحلي بالإيجابية وأخذ زمام المبادرة، مع الإيمان بجدوى العمل والحركة، وبتصاعدها التدريجي، شرطٌ أساسي لنجاح أي مشروعٍ تغييري، ثوريٍ أو غيره.
فعندما بدأت الثورة، خاضت فئة من الشباب معركة الوعي هذه مع باقي فئات المجتمع (التي انضمت لاحقًا للثورة)، كانوا يقولون: أنتم قلّة، ماذا يمكنكم أن تفعلوا؟ أنت وحدك ماذا تصنع؟ إن لم تكن حركةً شعبيةً كبيرة كيف تنجح؟ ماذا بوسع نداءك الوحيد أو كتاباتك فقط أن تفعل ؟
لكن لا بدّ لكل مشروع من هذه الفئة المؤمنة، التي لا تُخضِع إيمانَها لوسوسات السلبيين وحساباتهم ‹المنطقيّة›، بل تتسلح بإيمانها، بقدرتها، بثقتها بنفسها، لمواجهة كل التحديات. وبإصرار هذه الفئة على العمل، تسير السنّة الكونيّة لصالح تصاعد العمل وتعاظمه، فما كان وليدَ بضع مئات من الشباب السوري غطّى اليوم ملايين كاملة في سوريا وخارجها!
فهل كانت نتيجة هذه المعركة الناجحة هي المعطى النهائي في العقل الجماعي؟ لا أظنّ ذلك.
فمعركة الوعي وتغيير طريقة التفكير ومفرداته ليست بذلك الأمر السهل، فلا يزال وإلى اليوم سؤال «ماذا بوُسعِ رجلٍ واحد أن يفعل؟» يُطرَح للتعامل مع مشاريع أخرى، أو أفكار أخرى.
كنا في جلسة مع الشباب، نتناقش فيها حول المركّب الطائفي في الثورة السوريّة، وأن معاقبة المجرمين القتلة، يختلف عن عمليات الانتقام الطائفي التي تدمر النسيج الاجتماعي أولًا، ثم الدولة ومؤسساتها ثانيًا، مما ينهي أيّة قدرة على تحقيق مشروع نهضة وتنمية حقيقيّة.
البعض يقتنع بأن هذه الأفكار صحيحة، لكن ماذا ينفع رجلٌ واحدٌ يتكلم بها، أمام بقية الجموع التي تعاني من حقن طائفي.
وهذه الحجة لا تحتاج إلى جوابٍ خاصٍ بها، فهي تنبع من ذات العقلية الماضية، التي تظن بأن عملية التغيير لا ينفع لها إلا أن تبدأ بالجموع والجموع، حتى تحقق فكرتها.
لكن إن كان يشترط لنجاح الفكرة أن يحملها إبتداءًا جموعٌ وجموع، فإلى من يتجه التغيير، طالما هذه الجموع بخير ومقتنعة بصحة الفكرة.
البعض يفكّر بطريقة سلبية، وبمفرداتٍ أخرى «أنت تتحدث بهذا الكلام، لكن الواقع يتجه نحو منحى آخر مختلف»، طريقة التفكير المؤمنة بجدوى العمل، تفكر بأسلوب «إلى أي منحى يجب أن نأخذ الواقع ليسير به؟»
الإيمان بجدوى العمل له أسس فكريّة عدّة في الإسلام، منها أن يكون العمل خالصًا لوجه الله، ابتغاء مرضاته ومثوبته في الآخرة قبل الدنيا، وبهذا يكون لأي حركة، ولأي فعل قيمة وجدوى عالية، طالما أنها تضاف إلى كفة الأعمال التي تدخل صاحبها الجنّة. {ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره}، عجيب هو القرآن عند حديثه عن «مثقال الذرة»، وهي درجة صغيرة جدًا من العمل.
أيضًا القدوات القرآنية، فها هو سيدنا ذا النون الذي ترك قومه يائسًا من محاولة تغييرهم، استطاع بعد أن خاض تجربة عملية في إمكانية التغيير، أن يكون هاديًا لمئة ألف من البشر أو يزيدون!
ومنها أيضًا مفهوم التيسير القرآني، الذي يعطي للإرادة والقدرة الإنسانية محتواها من إرادة الله وقدرته {فأما من أعطى واتقى وصدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى}. وقوله صلى الله عليه وسلم «اعملوا .. فكل ميسّر لما خلق له».
هذه الأسس الفكرية وغيرها، الموضوعة ضمن جو نفسي خاص، تترك في الإنسان أثرها المطلوب، ليكون المرء مؤمنًا بإمكانية العمل وجدواه.
معركة الوعي لا تحسم إذًا بسهولة، ومن موقف واحد، لكنني أظن أنها تسير بشكل جيد في الوعي السوري اليوم …
والله الموفق
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :