في تقرير للمكتب المركزي للإحصاء حول التشغيل والقوى العاملة في سوريا ذُكر أن عدد المشتغلين الإجمالي يقارب خمسة ملايين مشتغل أي ما نسبته 22.8% من إجمالي عدد السكان في سوريا.
ومن الملفت للنظر أن نسبة تشغيل الإناث لا تتجاوز 12% من إجمالي المشتغلين. إلا أن الملفت للنظر أكثر؛ أن نسبة تتجاوز 50% من إجمالي هؤلاء المشتغلين يحملون الشهادة الابتدائية فما دون. وإذا ما أضفنا المرحلة الإعدادية التي باتت إلزامية في السنوات الأخيرة تصبح نسبة من يحمل الشهادة الإلزامية فما دون تتجاوز 57% من إجمالي المشتغلين، أي أن أكثر من 57% من إجمالي المشتغلين في سوريا قد حصلوا على التعليم الأساسي فقط وأن أكثر من ثلثهم (20.8% من الإجمالي) لا يحملون أية شهادة دراسية.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه خلال السنوات الأخيرة قامت الحكومات المتعاقبة بتوظيف المزيد من حملة الشهادات الجامعية أو الثانوية مقارنة بالفترة السابقة، يظهر لنا أن نسبة حملة الشهادة الابتدائية فما دون كانت مرتفعة أكثر في السنوات السابقة.
إن ذلك يطرح الكثير من الأسئلة حول السياسات التي -كانت- تتبعها الحكومات في توظيف الخريجين الجامعيين أو حملة الشهادات بما فيها الشهادة الثانوية ومدى اهتمام هذه الحكومات بتوظيف هذه الشريحة من القوة العاملة أو توفير فرص العمل لهم.
في لقاء لنائب رئيس مجلس الوزراء السوري السابق عبد الله الدردري مع طلبة جامعة دمشق، أكد النائب الاقتصادي السابق أن أولوية الحكومة تتركز في خلق وتوفير فرص عمل للخريجين الجامعيين، وهي في سبيل ذلك قامت بالاتفاق مع حكومة دولة قطر حينها على تأمين فرص عمل لما يقارب 50 ألف خريج سوري من مختلف الاختصاصات في قطر، وكان مطلب الطلاب يومها أنهم يريدون من الحكومة تأمين فرص العمل لهم أو خلق البيئة الملائمة لإقامة الأعمال في سوريا وليس خارجها.
إن ما يمكن تسميته بـ “سياسة تجهيل” القوة العاملة بهدف تسهيل السيطرة عليها وتوجيهها كما تريد الحكومة يمثل السبب الرئيس وراء سياسات الحكومة في مجال التوظيف.
فالنظام وحكوماته المتعاقبة اعتمدا على توظيف المقربين والموالين (أمنيًا أو حزبيًا) بغض النظر عن كفاءاتهم وخبراتهم أو شهاداتهم، في سبيل التحكم بالموظفين في القطاع العام ومواقفهم -في حين تولى كثير من أصحاب الأعمال هذه المهمة في القطاع الخاص- ولضمان ولائهم للنظام لا للبلد أو الوطن. وبما أن الأميين وحملة الشهادات الدنيا (ما دون الثانوية) هم الأقل نصيبًا في الحصول على أعمال فيما لو فقدوا أعمالهم، فإن ولاءهم لصاحب العمل (الحكومة) أكبر من ولاء حملة الشهادات الجامعية الذين ومن خلال وعيهم وعلمهم (المفترضين) قد يواجهون أي قرار خاطئ أو تصرف غير محقٍ يقوم به الوزير أو المدير، وسيكونون قادرين على الحصول على عمل بديل في حال تم طردهم او قرروا الاستقالة نتيجة لموقفهم ذاك.
سياسة التجهيل هذه (مدعومة بسياسات حكومية أخرى) أدت إلى بيروقراطية وخمول كبيرين في الجهاز الحكومي ولا سيما الإداري، حيث لا مجال لإبداع أو مبادرة أو تطوير. لذلك لا بد أن تكون إعادة هيكلة الجهاز الإداري للحكومة من أولى أولويات مرحلة ما بعد الأسد. كما يجب أن تقوم سياسة التوظيف والتشغيل في تلك المرحلة على مبادئ الكفاءة والخبرة لا على الولاء الحزبي أو الطائفي أو الارتباط الأمني، كما يجب أن يكون للتوصيف الوظيفي فيها مكان يستبعدُ كل إمكانية للمحسوبيات أو الفساد، وأن يتم ربط السياسات التعليمية بسياسات العمل وسوق العمل واحتياجاتهما.