جميعنا الآن نسعى لتحقيق مطلبنا الأسمى في ثورتنا المباركة «الحرية» … و بها نحقق البناء الذي من أجله نحن مستخلفون في الأرض.
لا بد أن كل واحد منا الآن وبعد عقود من مصادرة الحريات والحقوق جميعها، أدرك كم هو ثمينٌ فكر أي واحد منا، وكم هو كبير ذاك المجهود الذي بُذل عبر عقود لكمّ أفواهنا ومنعنا حتى من الكلام. أدرك الواحد منا كم هي مقدسةٌ الفكرة في عقل الواحد منا، وكم هو عظيم ذاك العقل المستودَع في رؤوسنا.
تلك الأفكار والمعتقدات وكما هي مرتبة في رؤوسنا، نحن مدينون بها للحرية التي اختصنا الله بها كبني الإنسان، ثم توّجها بالتكليف، وفتح لنا جميع السبل لنبحث؛ ومن ثم لنصل للحق الذي هو جوهر الحياة. وصكُّ حريةِ معتقدنا وفكرنا قد أُودِع في قوله تعالى: «لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [البقرة: 256].
ومما لا شك فيه أن ما في رؤوسنا من أفكار لا تتطابق، وهذا حقٌّ، وسنة الله في الخلق الذي جعل الاختلاف رحمةً تلون هذا الكون الكبير ….
«وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ « [هود: 118- 119]
الحوار الذي سيغنينا جميعًا، يُخرِج ما في جعبة كلٍّ منا من أفكار ربما تكون صحيحية وربما تكون خاطئة؛ ولكنها جميعًا ثمينة، بالنظر إليها والتفكير والنقاش والنقد المبني على دلائل منطقية، تقوم على العلم الذي قدسته جميع الديانات والشرائع السماوية، عندها نغني بعضنا جميعًا وكلنا حرصٌ على بقاء الاحترام والحكمة في الطرح والابتعاد عن الحدة في النقاش.
كل شيءٍ قابل للطرح على طاولة الحوار، وكله قابل للخطأ والصواب إلا قرآننا العظيم وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام بعدُ أيضًا.
والرجال أيضًا تُعرفُ بالحق، وليس الحق بالذي يُعرَف بالرجال. ولا معصوم أومنزه من بني آدم إلا أنبياء الله صلوات الله عليهم أجمعين، واليقينُ لا يأتي إلا بعد مسيرٍ من الشك والسؤال.
رسالتي لك …
ربما لن تعجبك جملة قد خططتُها، لا تعنّفني، فقط انظر فيها، واسأل: لماذا؟
لن أبخل عليك بالإجابة وأنا كلي أمل أني في الطريق الصحيح لأعلم.
أفكارُك تغنيني وربما تصيب خطأي، ولديّ أيضًا من الأفكار ما قد يغنيك ويصيب خطأك، وأنا في هذا كله أحترم مقدسك وفكرك وأجلس معك على طاولة مستديرة، لا يبخس أحدنا احترام الآخر ومقدساته ..
في النهاية جميعنا سائرون على الدرب، ووحده الإنسان لا يستطيع أن يصل. لا بد من الحوار والنقاش الذي به يستعير الإنسان عقول أصحابه فيصل…
إنه الحق لا يخشى الحوار وبالحق تفوز بالآخرين ثقة ومحبة واحترامًا، من ثم تحقق الغاية من وجودك على هذه الأرض «الخلافة في الأرض».
وهي في النهاية قضية الحرية التي من أجلها قامت ثورة الوطن…
20داريا – جريدة عنب بلدي – العدد 29 – 9-9-12