لم يتوان عبد الرحمن، أحد عناصر الجيش الحر في مدينة داريا، عن صب جام غضبه بتفريغ ما تبقى من ذخيرته باتجاه الدبابة T82 المتمركزة على أحد مفارق المدينة بعد أن أتتهم أوامر القيادة بالإنسحاب، مع أن عبد الرحمن يدرك تمامًا أن رصاصه ما كان ليؤثر في هذه الكتلة الفولاذية المصفحة، ولكن أوامر الانسحاب حطمت حلمه الذي طالما انتظره لأشهر في أول مواجه مباشرة له مع عناصر الجيش النظامي.
يروي عبد الرحمن لجريدة عنب بلدي مسيرة ثلاثة أيام قضاها في مواجهة أعتى أنواع السلاح المتوسط والثقيل وتحت القصف والرصاص المستمر.
بدأ عبد الرحمن كلامه بوصف الحشد الذي دفع به النظام لمحاصرة المدينة من آليات ثقيلة وعناصر ومدرعات انتشرت على جميع الأطراف وأغلقت جميع المنافذ، حيث انتشرت عشرات الدبابات في الطرق والشوارع الرئيسية مترافقة مع مئات الجنود من عناصر الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة والقوى الجوية.
ثم أكمل عبد الرحمن واصفًا انتشار عناصر الجيش الحر بأسلحتهم الخفيفة على مداخل المدينة لرد هجمات قوات الأسد التي حاولت على مدار ثلاث أيام متتالية اقتحام المدينة من جميع منافذها دون جدوى بالتزامن مع القصف الشديد الذي أنهك المدينة.
يقول عبد الرحمن واصفًا المكان الذي تمركز فيه مع مجموعته عند المدخل الرئيسي للمدينة من الجهة الشرقية: “تمركزنا مساء الثلاثاء 21 آب 2012 مرابطين على أحد مداخل المدينة محاولين صدّ أي هجوم مباغت من الشارع الرئيسي بعد أن علمنا أن قوات الأسد قد تمركزت على بعد عنا حوالي 1 كم عنا”.
“لم يتوقف إطلاق الرصاص خلال ساعات الليل والذي تبعه قصف كثيف بالدبابات عند ساعات الصباح الأولى ليوم الأربعاء 22 آب 2012، وكانت الدبابات تمطرنا بالقذائف مع كل تقدم لها في محاولة لتغطية انتشار الجنود والعناصر بين الأبنية ولاعتلاء القناصة عليها، بالتزامن من تحليق مستمر للمروحيات العسكرية التي أمطرتنا هي الأخرى بصواريخا ورصاص رشاشاتها”.
ويتابع عبد الرحمن “استطعنا رد قوات الأسد عشرات المرات وكبدناهم خسائر كبيرة في البداية ولكن مع وصول تعزيزات إضافية إلى المكان وإطباق قوات النظام على جميع المنافذ لمنع وصول أي مساعدات وزيادة وتيرة القصف على أماكن تمركزنا ومع انقطاع جميع أشكال الاتصال السلكية واللاسلكية، فحيثما توجهنا تتساقط القذائف بشكل كثيف، لم نعد نستطع إسعاف أصدقائنا أو حتى إمكانية مشاهدة جثثهم التي حولتها الشظايا إلى أشلاء”.
هنا لم يستطع عبد الرحمن حبس دمعته التي أبت إلا أن تشق طريقها على وجنتيه محاولًا إخفاءها عندما تذكر قصة استشهاد صديقه أحمد، يتوقف عبد الرحمن قليلًا ثم يكمل قائلًا: “لم أستطع حتى إسعافه لشدة القصف الذي طال المنطقة مع تقدم عناصر الجيش باتجاه المدينة واعتلاء القناصة جميع الأبنية المطلة على مركز تواجدنا، الأمر الذي أجبرنا على الانسحاب بشكل تكتيكي، تمهيدًا لإعادة التقدم من جديد، وبين كر وفر خلال يومي الأربعاء والخميس لم يتوقف القصف، والمعارك مستمرة على جميع أطراف المدينة”.
“وفي صباح يوم الجمعة 24 آب 2012 جاءتنا أوامر من القيادة بالتراجع باتجاه المدنية تمهيدًا لانسحاب نهائي، بعد أن أُنهكت المدينة بالقذائف وامتلأت الشوارع بالجثث ونزحت مئات العائلات من المدينة تحت وطأة القصف”، يكمل عبد الرحمن، مردفًا “لم أتمالك نفسي في البداية، رفضت الأوامر واستمريت بإطلاق النار باتجاه قوات النظام التي لم تتوقف عن استهدافنا بجميع أشكال الأسلحة، حتى سحبني أحد أصدقائي باتجاه أحد الأبنية وأقنعني بوجوب الانسحاب لأنه لا طاقة لنا باستمرار المواجهة تحت كتل النيران التي تنهال علينا».
هنا طلب عبد الرحمن إنهاء اللقاء خاتمًا كلامه بإصرار: «لن ننسى دماء شهدائنا وسننتصر بإذن الله».