«صعبٌ جدًا أن تحافظ على نظافتك داخل مستنقع»، تقول سهير (30 عامًا) وقد عادت مؤخرًا إلى دمشق من إحدى البلدان الأوروبية، «حتى في أوروبا لم أشاهد الانحطاط الأخلاقي الذي أراه في بلدي».
ووسط غياب الرقابة من الأهل والمجتمع وغياب القانون في مدينةٍ بدت مؤخّرًا أبعد ما تكون عن طابعها التقليدي، نشأت في دمشق ظواهر عدة اعتبرها بعض السكان المحافظين “انحلالًا” على المستوى الأخلاقي.
وتنقل نسرين، وهي فتاة دمشقية تقيم في منطقة الجسر الأبيض، أنّ التحرّش بالفتيات من قبل الحواجز العسكريّة ازدادَ مؤخّرًا بنسبٍ كبيرة، وتضيف «كل 100 متر حاجز يوجد في دمشق، والعناصر يغلب عليهم اللهجة العراقية واللبنانية أو العربية الفصحى».
وأوضحت نسرين أن «التحرش يتم وفق الهوية الشخصية، فإن كانت الفتاة من ريف دمشق، تعاني من تفتيش كامل حتى جهازها المحمول، وإن كانت من دمشق فيكتفون بترعيبها وترهيبها والتحرش الكلامي البذيء بها».
دعارةٌ مقنعة «ع العلن»
وإضافة إلى الحواجز انتشرت بيوت «الدعارة» في الأحياء الراقية، كما تقول نسرين التي حاولت تقديم شكوى للمحافظة مع عددٍ من أهالي الحي، لأن «الأمر تجاوز حدوده وأصبح مزعجًا للسكان».
بدوره يؤكّد أحمد، النازح من حمص إلى منطقة جديدة عرطوز في ريف دمشق، أن بيوت الدعارة تنتشر بشكل علني على أعين الناس، ومعظم روّادها من اللجان الشعبية التي تؤازر نظام الأسد. وعليه، يخاف الأهالي من رفع الشكاوى أو رفض الظاهرة خوفًا من الاعتقال، مؤكدًا «كلما أمر أمام عساكر الحاجز أجد بنات يقفن معهم وسط جو من المياعة».
تدن أخلاقي وشذوذ
ويرى أحمد أنّ نوعًا جديدًا من «الانحطاط» انتشر مؤخّرًا في دمشق، مطلقًا عليه تسمية «الانحطاط بنمطه الرّاقي»، حيث أبدى استغرابه من تدّني المستوى الأخلاقي لفئة من المترفين، كحال روّاد نادي الشرق الشهير في العاصمة، معتبرًا «المجتمع يلمع من الخارج.. لكنه وسخٌ من الداخل».
وأصبحت صحبة بعض البنات مع العساكر نمط حياة اعتيادي بالنسبة للمجتمع الدمشقي، كما ينقل جلال أحد شباب المدينة، وأضاف «الفتيات اللاتي كنّ من الطبقة المخمليّة وتردى وضعهن المادي بسبب الأزمة، اضطررن لمصاحبة رجال الأعمال والأغنياء ليحافظن على المستوى الذي تعرفن به، حتى أن بعض الأهل أو الزوج على علم بذلك». وما يزيد الطين بلّة، انتشار الشواذ جنسيًّا سواء من الشباب أو البنات وبشكلٍ ملفت في الحدائق العامّة، وخاصةً حديقة الجاحظ في منطقة المالكي، حيث أصبحت «ممارسة الرذيلة بالنسبة لهم أمرًا عاديًا في هذه الحدائق وعلى مرأى أعين الجميع»، يقول جلال.
الفاسدون ليسوا دمشقيين
من جانبها تقول الناشطة الإعلامية هاجر (التي تعمل بالخفاء) إن غالبية «الفاسدين» ليسوا من الدمشقيين، مشيرةً إلى أن غربة الفتيات والشباب عن ديموغرافية مناطقهم الأصلية ومعارفهم، ساهمت في نشوء علاقات خارج أطر الزواج. وتلفت إلى أن بعض الفتيات «يعتبرن الشباب بالزيّ العسكري، وحتى لو لم يكونوا مجندين عاملًا نفسيًا لإحساسهم بالأمان، ويتحججن بأنّهن يعطين حنانهنّ لمن يفدي الوطن، «على حدّ تعبير هاجر.
ويؤكّد الأخصّائي النفسي عبد الجليل رعد، الذي يعمل مع عدد من منظمات الدعم النفسي داخل سوريا، أنّ الإحساس بالأمان النفسي وقت الحروب ينتج عنه عدّة تفسيرات، أوّلها اللجوء لشخص يمثّل مصدر القوّة على الأرض.
فالفتيات أو النساء في مناطق سيطرة النظام يلجأن إلى المجندين ليشعرن بالأمان الذي فقدوه حتى مع أهاليهم، وفق رعد، الذي يعتبر الظاهرة من حالات الآلية الدفاعية النفسية، موضحًا أنها تعني ردود فعل الشخص ليحمي نفسه من الأخطار الأخرى من حوله، وبالنتيجة يصل في بعض الحالات إلى علاقة خارج إطار الزواج.
ويرى الأخصائي أنّ هذا فساد نفسي متفشِّ في كل أماكن الحرب في سوريا وليس فقط في دمشق، مؤكدًا أن للظاهرة أكثر من تفسير، منها «التمرد على الواقع الذي نعيش فيه نفسيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا، مستدلًا بموجة خلع الحجاب في دمشق، بالإضافة إلى فساد نسبة كبيرة من المجتمع سابقًا بالتعاون مع السلطة، وهؤلاء يحاولون تسليط فسادهم على المجتمع».
بدوره يرجع الشيخ رامي أبو محمد، الذي يعيش في ريف دمشق، الظاهرة إلى ثلاثة أمور رئيسية، هي غياب القانون الذي يمنع كثيرين من الإقدام على هذه المخالفات، وسوء التربية خلال الثورة وغياب أفكارها عن الجيل الناشئ، والنزوح الذي أدى إلى تفكك الروابط الأسرية. ويردف الشيخ «بعض الحالات لم تكن ممنوعة قانونيًا في سوريا، لكن الرادع كان التركيبة الاجتماعية والعائلية والتنافس بين العائلات خصوصًا في البيئات الملتزمة».
لست في دمشق
تختم سهير حديثها «الشام ما عادت الشام، الشام التي نعرفها صارت شيئًا من الماضي؛ عندما تمشي بحديقة الفورسيزن وتجد العسكري يحتضن البنت المحجبة ستتأكد أنك لست في دمشق.. عندما ترى الفاحشة بين الفتاة والشاب بالشارع، ويكتفي الناس بتوجيههم للذهاب إلى مدخل البناء لأنه أستر، تأكد أنك لست في دمشق.. عندما تشتكي الأخت على أخيها لعساكر الحاجز لسبب صغير، تأكد أنك لست في دمشق».