تداول الناشطون على شبكة الإنترنت في الأسبوع الماضي صورًا مسربة لشهداء التعذيب في السجون السورية، والتي نشرت مئات منها الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي، ويرجح استشهاد أصحابها منذ مدة لا تقل عن عام ونصف.
إن كل صورة من هذه الصور ليست «مجرد صورة» نتداولها على حساباتنا في شبكات التواصل الاجتماعي ونشعر بالحزن والأسى لما فيها، إن كل صورة من هذه الصور هي قصة لمعاناة ناشط لا يعلم بالظروف التي مر فيها في سراديب الموت إلا الله، هي تلخيص لمرحلة قضاها إنسان تعبث به مخالب الوحوش ساعات وأيامًا ولا يسمع أنينه إلا رفاق دربه الذين ينتظرون دورهم في الزنازين المجاورة، ولا يدرك كل صرخة من صرخاته إلا من وقف قبله أو من سيقف بعده تحت نفس المقصلة ليقضي بها كما قضى الآلاف من المظلومين.
كيف يستطيع إنسان أن يقتل إنسانًا مثله! لا يمكن أن يكون السجان إنسانًا، بكل تأكيد هم وحوش، وليسوا وحوشًا عاديين، إنما وحوشٌ كاسرة، لا يمكن لإنسان من جنسنا أن يمارس أفعالهم، أفعال قيدت حرية الإنسان وداست على كرامته، وباتت تلعب في أعصابه وتعبث في جسده، حتى فاضت روحه من التعب إلى بارئها، محاولة الهروب من هذا الواقع المرير.
ليست «مجرد صورة»، إنما هي رواية وحكاية ومسيرة حياة لشخص ناضل وكافح في سبيل تحرير وطنه من الظلم والاستبداد، ومجموع الصور يؤلف مسلسلًا سوريًا طويلًا مكونًا من آلاف المشاهد، التي تروي قصص حياة ومنجزات ولحظات ومواقف قضاها هؤلاء الشهداء مع أصدقائهم الناشطين متأملين في عيش كريم وحياة بدون ظلم، وراسمين في مخيلاتهم مستقبلًا أفضل.
ليست «مجرد صورة»، إنما هي كارثة ومصيبة نزلت على أهل الشهيد وعائلته بعد طول انتظار، ليشاهدوا صور أبنائهم وإخوتهم وآبائهم وعليها ما عليها من آثار التعذيب، يتداولها الناس على صفحاتهم تحت عبارة «شهيد تحت التعذيب».
ليست مجرد صورة، إنما هي عائلة باتت بدون معيل، ليتحول الأبناء إلى أيتام. هي حكاية زوجة ترملت في زهرة شبابها، وأم ثكلى فقدت فلذة كبدها، وأب طاعن كان يربي ولده ليعينه في كبر عمره.
أهلنا كانوا يقولون عبارة شهيرة «ياما في السجن مظاليم»، مشيرين بذلك إلى أن السجون لابد أن يكون فيها مظلومون غدر بهم الزمان، وأتى بهم إلى هذه الزنازين، ولكنهم لم يدركوا يومًا أن السجون سوف تعج يومًا بالمظلومين، تاركةً المجرمين والسفاحين طلقاء يمارسون ظلمهم وبغيهم على الناس، ولتصبح العبارة «السجن فقط للمظاليم».
يجب ألا تبقى هذه الصور «مجرد صورة»، لا في تاريخنا ولا مخيلتها ولا قراءاتنا، هذه الصور والمشاهد يجب أن تكون عبرة للثوار أولًا، ولكل إنسان لم يتخل بعد عن إنسانيته ثانيًا، ينير بها درب الثورة، مستمسكًا فيها بالعهد الذي قطعه على نفسه بإكمال الطريق الذي سلكه مع أصحاب هذه الصور.
يجب أن تبقى هذه الصور محفوظة في قلوبنا وعقولنا لتصور حجم الظلم والقهر الذي تعرض له السوريون على أيدي الأسد ونظامه، ولتكون شاهدًا على حقبة زمنية عاشها الشعب السوري ولاقى خلالها شتى أشكال العذاب والمعاناة، ووقف خلالها المجتمع الدولي، بما فيه الدول العربية والإسلامية، الأصدقاء قبل الأعداء متفرجين ومراقبين دون الإتيان بأي حركة.
سيسجل التاريخ أسماء هؤلاء الشهداء في صفحاته لتبقى وصمة عار على جبين البشرية. فهم ليسوا «مجرد صورة».