التسويق الشبكي.. بين شعب يحلم وحكومة نائمة

  • 2015/03/15
  • 9:17 م

شام العلي – دمشق

انتشرت في الفترة الأخيرة بين صفوف طلاب الجامعات في دمشق أنظمة التسويق الشبكي، تسمعهم يتهامسون سرًا أو يتناقشون علنًا ويتساءلون فيما بينهم بحماس مفعم أحيانًا أو بخوف ووجل أحيانًا أخرى: «هل ستنضم؟»

شركة P4M وشركات أخرى تعتمد نظام التسويق الشبكي وجدت طريقها إلى السوريين لتسويق منتجاتها وتحقيق الربح، وتسهدف بالدرجة الأولى طلاب الجامعات، وعلى غرار حكاية الدجاجة التي تبيض ذهبًا، تقدم الشركات فرص عمل لزبائنها وعملائها عن طريق شراء منتجاتها وتسويقها.

بملابسهم الأنيقة وأساليبهم المدروسة المنمّقة في الكلام والإقناع يحاور وكلاء هذه الشركات عملاءهم، يتكلمون معهم عبر الشبكة العنكبوتية أو يلتقونهم في المطاعم والمقاهي والكافيتريات، والتي تتركز غالبًا في مركز العاصمة دمشق «البرامكة»، ويحدثونهم عن الاستقلالية الشخصية والربح السريع الهائل وتحقيق الطموحات والأحلام وأبواب النعيم التي سيفتحها عليهم الانضمام إلى عالم التسويق الشبكي، وعلى وتر حاجة الطلاب الحقيقية إلى المال والاستقلال في هذه الظروف، يعزفون ألحانهم.

نصب واحتيال أم فرص عمل؟

تعتمد آلية عمل الشركة على التسويق لمنتجات خاصة بها، وهي تتنوع بين ساعات عالمية مكفولة مدى الحياة وإطارات ولوحات فنية ودورات في التنمية البشرية وقلائد باهظة الثمن.

بمبلغ يمكن أن يبدأ من 25 ألف ليرة سورية يباشر الشباب المنضم حديثًا إلى الشركة مسيره، ثم يتقاضى الأرباح اعتمادًا على نشاطه في بيع سلع الشركة ومنتجاتها وعدد الذين استطاع إقناعهم بالانضمام إليه، فكل سلعة تباع عن طريق المشترك تضاف إلى رصيده، إذ إن التسويق الشبكي يعني خلق شبكة من الموزعين والتسويق عبر التسلسل الشبكي للمستويات المتعددة في الربح.

ورغم توافد وتسابق الكثيرين على شبكات الإنترنت لبيان أسلوب النصب والاحتيال الذي تقوم عليه هذه الشركات، ورغم أن أمرها بات واضحًا وأسلوب عملها مكشوفًا إلا أن الشباب ما زالوا يتوافدون لينضموا إلى صفوفها «تحت إغراء الربح السريع وضغط البطالة» بحسب أمير وهو طالب هندسة في جامعة دمشق.

ولـ «سارة» وهي طالبة طب أسنان وجهة النظر ذاتها، فهي تقول لعنب بلدي إن المنتجات التي تبيعها الشركة غير مفيدة أبدًا، فما حاجة الشعب السوري في ظروف الحرب لساعة سويسرية أو دورة في التنمية البشرية بمبلغ خيالي؟ وتضيف «لو أن لدى الشركة قبضة مثلًا، وهي آلة يستخدمها طلاب طب الأسنان، لاشتريتها ولو كلفني أضعاف ثمنها»

أما «محمد» وهو أحد وكلاء الشركة، فيقول لعنب بلدي إن شراء المنتجات وتسويقها اختياري وليس إلزامي، وإن قيمة منتجات الشركة تعود إلى محدوديتها وقيمتها المعنوية، ويذكر أسماء كثير من أصدقائه ممن حققوا أرباحًا لا يستهان بها بفترة قصيرة.

نظام التسويق الشبكي .. أين الخلل؟

يتحدث أنس (طالب اقتصاد) لعنب بلدي أن نظام التسويق الشبكي غير قابل للاستمرار، إذ لابد للشجرة من نهاية تصطدم بها، وهي حين تصطدم بنقطة معينة ستتوقف، وبذلك ستكون الطبقة العليا من الأعضاء هي الرابحة على حساب الطبقات الأخيرة التي هي أكثر عددًا.

ويبين أن معظم الذين يدافعون عن الشركة هم إما متورطون معها، يريدون بأي وسيلة إقناع الناس بشراء المنتجات ليعوضوا خسارتهم، فهي كما يصف «كالفايروس الذي لا يعيش إلا على العدوى» أو أنهم من الطبقات الأولى في البناء الهرمي وبذلك هم من الأقلية المحظوظة الرابحة.

ويضيف «مصطفى» وهو طالب اقتصاد أيضًا، أنه من المعروف لأي صاحب عقل تجاري أنه لا يمكن أن يصل الأمر ليربح الجميع في أي لحظة من لحظات السلسلة، ويؤكد أن الخسارة ضرورية لنمو الشركة.

أما «سمية» وهي مشتركة منذ شهور ثلاث في P4M فتقول لعنب بلدي «لماذا يفترضون أن الشركة ستتوقف أو تغلق؟ طالما هناك مبيعات ومنتجات فالعمولة مستمرة». وتضيف أن الشركة تبيع منتجاتها خارج حدود القطر وأن هناك عملاء لها في دول كثيرة حول العالم.

رأي علماء الشريعة

تتنوع فتاوى علماء الشريعة بين تحريم كامل للتسويق الشبكي وبين إباحة مشروطة بشروط معينة، وتدور الفتوى الإسلامية حول الحديث الذي يقول أن رسول الله نهى عن بيع الغرر، وقد أفتت وزارة الأوقاف السورية منذ عامين بحرمة التسويق الشبكي مطلقًا وبذلك قال معظم علماء الشريعة ومنهم الدكتورمحمد راتب النابلسي.

الطرق المختصرة انزلاق مؤكد

التقت عنب بلدي بعض المسجلين حديثًا في شركة P4M ومعظمهم من الطبقات الأخيرة في هرم التسويق، لكن معظم وكلاء ومندوبي الشركة أصحاب الأسماء الأقدم تهرّبوا من الصحافة، وبيّن كثير من المشتركين أن الأرباح الطائلة السريعة كانت هي دافعهم للانضمام، ورغم أنه في 70% من الحالات لا يحقق المشترك أرباحًا ولا يسترد رأس ماله حتّى، إلا أنه حتى لو فاز بالدولار فسيخسر أصدقاءه كما تقول «سارة»، ويضيف «عامر» وهو طالب  هندسة ميكانيك أن الربح يغري بالكسل، والكسل عدو الطموح والجهد الذي هو رأس مال من يبحث عن النجاح. وكذلك فإن الدكتور «مروان» وهو أحد دكاترة الجامعة الذين حاولت الشركة استقطابهم إلى صفوفها بسبب شعبيته عند الطلاب يقول «السماء لا تمطر ذهبًا والطرق السريعة انزلاق مؤكد».

فشعب يحلم وحكومة نائمة

في حين تعزف الشركات على أحلام البسطاء وتعدهم وتمنيهم بالثروة والدولار تغط الحكومة في سباتها، فلا ملاحقة لهذه الشركات ولا توعية للشعب، وفي حين أنه في معظم دول العالم تم تجريم وتحريم هذا النوع من التسويق ووضع قوانين لمنع خداع المواطنين، فما زال هذا الأمر مستمرًا في سوريا رغم خطورته على المواطن وعلى البنية الاقتصادية للوطن. وهنا يحق السؤال: أين وزارة الاقتصاد من هذا التلاعب المفضوح؟ وأين من يدعون حماية المستهلك؟

ومن الجدير بالذكر أن وزارة الخارجية المصرية كشفت في منتصف عام 2013 عبر مؤتمر دعيت إليه وسائل الإعلام عن تفاصيل لسقوط عدد من الشبكات التي احترفت النصب على عدد هائل من المواطنين، تحت مسمى التسويق الشبكي، وقد جنت أرباحًا طائلة من ورائهم، بإجمالي مبلغ وصل إلى 95مليون ونصف دولار تقريبًا.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع