يكاد يترافق مع كل ثورة حرب، ومع كل حرب قاتل ومقتول، جريح ومصاب، أرملة ويتيم، وتاجر يقتات دماء الناس؛ وهناك دومًا من يعمل في الكواليس وراء الأضواء، تاركًا الشهرة وحصد الألقاب لمن يسعى لها.
وكثيرًا ما يكون الأطباء والممرضون جنودًا مجهولين، لكن البعض قد ينتبه لجهودهم، ويحاول تسليط الضوء على بعض من خفائهم، كما فعل ناشطون في الغوطة الشرقية لتكريم الكوادر الطبية والإسعافية هناك يوم السبت السابع من آذار الجاري.
بدأت الفكرة من فريق مكتبة «بيت الحكمة»، بحسب الآنسة سنا السلام، الإدارية في المكتبة، مع تزايد وتيرة العنف على مدينة دوما والغوطة الشرقية بشكل عام، «رؤيتي لحجم الدمار وشدة القصف مع إصرار كوادر الإسعاف من الهلال الأحمر والدفاع المدني على إنقاذ ما يمكن إنقاذه رغم تعرضهم للقصف والإصابات في كثير من الأحيان، كل هذا جعلني أفكر بطريقة رمزية للفت النظر لجهودهم، ولشكرهم.»
بدأ فريق «بيت الحكمة» العمل على الحملة بالتعاون مع فريق «شباب نحو مجتمع إسلامي»، بتصميم بطاقات شكر بعنوان «دوما تباد، وبفضلكم تعاد»، لكن الحصار ترك بصمته عند طباعة البطاقات بالأبيض والأسود، وهنا كانت ورشة التلوين، «قمنا بإضفاء لمسة لونية على البطاقات عبر تلوينها يدويًا بفريق مكون من رائدات ومشرفات المكتبة، لا بد لنا من تلوين الحياة مهما كانت ألوانها قاتمة»، تضيف سنا السلام. كما أضاف القائمون على الحملة هدايا رمزية، وهي بحسب سنا، «عبارة عن كتيبات وكتب بعناوين منوّعة، كما صنعنا دروعًا خططنا عليها شعار دوما تباد بشكل يدوي».
في اليوم المحدد اتجه الفريق مصحوبًا بأطفال شاركوه التلوين والرسم والتغليف إلى مقر الهلال الأحمر في الغوطة الشرقية، وهناك بدأ حفل التكريم «كنا قد درّبنا الأطفال على أغان جماعية وإلقاء شعر فردي، كان الاحتفال بهم رائعًا، بعد الغناء والشعر قاموا بتوزيع الهدايا على كادر الهلال الأحمر بجو مؤثر جدًا، ثم قمنا بإعادتهم إلى بيوتهم خوفًا عليهم من الطيران الذي كان قد بدأ قصفه، لنتابع نحن تكريم المكتب الطبي والهيئة العامة للدفاع المدني ومركز المعالجة الفيزيائية للمصابين «، تقول سنا.
ويقول جهاد أبو مروان، المتحدث باسم فريق شباب نحو مجتمع إسلامي، «لاقت فكرة بيت الحكمة تأييدنا كفريق رغبة منا بتقديم جزء ولو بسيط لرد الجميل لجنود مجهولين ما بخلوا بالدم والروح لإحياء بلدنا»، مضيفًا «تولينا مهام الطباعة والتنسيق، تأمين الهدايا والتواصل مع الجهات لتحديد مواعيد التكريم المناسبة لهم، وقد حققت الحملة أهدافها رغم بساطة الموارد».
أما عن ردة فعل الكوادر الطبية فقد كانت محفزة وإيجابية للغاية، حسب وصف الأستاذ جهاد، واعتبر المكرمون «أن القيمة المادية للجوائز لا تداني قيمة الشعور بأنه ثمة من يقدر عملهم ويحترم جهودهم».
تختتم سنا السلام حديثها «شعرت أنني قدمت شيئًا بسيطًا، كان يومًا مليئًا بالسعادة والإيجابية، مع بعض الخوف على الأطفال من القصف، باختصار.. هي فكرة نقية، لأشخاص أنقياء جدًا».