فرقة تتحدى السواد على خشبة إدلب

  • 2019/04/07
  • 12:08 م

مشهد من المسرحية (عنب بلدي)

عنب بلدي – يامن مغربي

ثلاث مشانق واللون الأحمر يسود خشبة المسرح وسط ترقب الجمهور، وفي الخلفية رجال ببنادق آلية تطلق الرصاص.

هذا أحد مشاهد مسرحية “سرداب الموت”، التي عرضت في مدينة إدلب، نهاية آذار الماضي، وتناقش قضية المعتقلين والمغيبين قسريًا في سجون النظام.

غص المسرح بالحضور الذين صفقوا طويلًا لأبطال مسرحية ترجمت مشاعرهم وآلامهم التي عاشوها على مر السنين الطويلة الماضية.

عشرات التجارب المسرحية التي نظمت في إدلب منذ خروجها عن سيطرة النظام، تتحدى كل السلطات التي تعاقبت عليها منذ 2011 حتى اليوم، وفي كل مرة يخرج منها شباب يحملهم حلم التغيير، وثمن غال دفعوه دمًا وموتًا وتهجيرًا، للحصول على الحرية.

مغنٍّ: هذه إدلب المعري وحسيب كيالي

موفق نجار، مغني المسرحية، قال لعنب بلدي إن المسرحية التي نظمتها فرقة “بيدق” جاءت ردًا على أعمال فنية شوهت وجه المدينة، “هذه إدلب المعري وحسيب كيالي وغيرهم كثر”، مبينًا أن أهمية المسرح في زمن الحرب تكمن بأن يكون للفن دور في مواجهة الموت والدم، مؤكدًا أنه من الممكن تطوير المسرح في مدينة إدلب اليوم لو توافرت الإمكانيات، خاصةً أن الفنان “يشعر بحرية الطيران” عندما يبتعد عن مقص الرقيب وسلطته الدينية والعسكرية، على حد وصفه.

تأسست فرقة بيدق في عام 2017، وتعمل في مدينة إدلب، وهدفها النهوض بالواقع الثقافي والفني في المناطق المحررة، من خلال تقديم عروض مسرحية تلامس الواقع السوري، ويشرف عليها إبراهيم سرميني.

وعن الصعوبات التي واجهت فريق العمل في هدفه لإعادة ألق المسرح، قال نجار إنها تتمثل بنقص الإمكانيات الفنية، والتي يتم تصنيع بعضها بأيدي الممثلين أنفسهم، إضافةً إلى صعوبة التفرغ للعمل الفني بشكل كامل وانشغال بعض أعضاء الفرقة بوظائفهم، عدا عن التهديد المستمر بقصف المدينة، مشيرًا إلى أن مسرحية “سرداب الموت” احتاجت إلى خمسة أشهر كاملة من التدريبات والاستعدادات (البروفات).

لكن كل هذه التفاصيل الشاقة والمتعبة، تختفي عندما ترى النجاح على وجوه الجمهور، فالمسرح، وعلى عكس الفنون الأخرى، يعطيك نتيجة فورية، بحسب نجار.

وقال نجار إن مشاهدة صالة العرض وقد غصت بالحضور، رغم الوضع الأمني المتردي، أشعره بالفرح، مبينًا أهمية استمرار العروض المسرحية، لتعطّش الناس لمشاهدة فن حقيقي، يناقش قضاياهم وآلامهم، وهذا كاف له ليكمل المحاولة بتأسيس نقلة نوعية للمسرح في المناطق المحررة على الأقل.

وعن دور المسرح في الحياة الإنسانية قال، “في النهاية يجب ألا نغفل دور الفن والمسرح، فهو منبر مهم للغاية، وخاصةً عندما يتاح لك نص يتناول الواقع الذي نعيش بداخله، عندها يمكن عن طريق المسرح الذهاب بعيدًا في الجانب الإنساني عبر أعمال مستفزة وصادمة وتكسر المتوقع عند المتلقي، فعندما تعتمد الإبهار والصدمة والإيقاع المدروس تشد انتباه الجمهور ويبقى مستمتعًا معك إلى آخر العرض، بل ويطلب المزيد”.

للمسرح دومًا أهمية كبرى في حياة الشعوب، وعلق نجار على هذه النقطة، “عندما نبحث في تاريخ الحضارات والأمم العريقة، نجد أن هذه الأمم أولت أهمية كبرى للمسرح، فنجدها بنت المدرجات والفرق المسرحية معًا، فالمسرح وسيلة تنويرية للناس وتم تهميشه للأسف، مع أنه يطرح رسائل ومشكلات يعيشها المجتمع. إنه لأمر مذهل أن يرى الجمهور واقعه الحقيقي يتحرك أمامه على المسرح!”.

إدلب قادرة على خلق الإبداع

وأشار حسن عبد العال، الذي مثل دور الجلاد في المسرحية، إلى أن أحد أهم أهداف هذا العمل المسرحي هو “أن نقول جميعًا إن مدينة إدلب وشبابها قادرون على خلق الإبداع ولو من أبسط الإمكانيات المتاحة بعد ثماني سنوات من الثورة”.

المسرح هو المكان الذي تستطيع فيه إفراغ أفكارك، وتعكس من خلالها واقع المجتمع بإيجابياته وسلبياته، بحسب عبد العال، مؤكدًا أن الصعوبات تكمن دائمًا في الوضع الأمني الذي تعاني منه المدينة، إضافةً للصعوبات المادية في أثناء الإنتاج.

ويجمع عبد العال أهدافًا فنية بأخرى سياسية، “إدلب هي آخر معاقل الثورة السورية، ويجب علينا أن نبرهن أن الثورة موجودة في كل المجالات”، مؤكدًا أن هذه الأعمال الفنية ستنجح وتكبر بجهود هؤلاء الشباب، سواءً كانت فرقة بيدق، أو غيرها من الفرق المسرحية الأخرى.

حسن عبد العال، يقوم بالتمثيل لأول مرة ضمن مسرحية موجهة للكبار، وكان من الطبيعي أن يشعر ببعض الضغوط والتوتر، إلا أنه شعر بسعادة بالغة عندما رأى تفاعل الناس مع العمل، “هذا ما يجعلك تصل للرضا الذاتي بتقديم أقصى ما لديك”، على حد تعبيره.

المسرح ممحاة للصورة السوداء

وقال محمد الزير، أحد أعضاء الفرقة وقام بدور المعتقل المجنون، إنهم (كادر الفرقة) يعملون في المسرح لأنهم يملكون رسالة يريدون إيصالها، وهدفها الأساسي هو محو الصورة السوداء المرسومة عن مدينة إدلب، مؤكدًا أن المسرح والفنون وسائل مهمة للغاية في إيصال الأفكار والتعبير عن الحرية، مشيرًا إلى قدرة الفرقة على إيصال صوت المعتقلين عن طريق أعمالهم المسرحية.

وبيّن الزير أن انحسار الفرقة برقعة صغيرة وهي مدينة إدلب تشكل عائقًا في عملهم، إضافةً إلى الصعوبات المادية واللوجستية الأخرى، متمنيًا أن يتخطوا هذه المشكلات لحاجة الناس إلى الفن.

وعن بداية الفكرة قال محمد إنها بدأت من الشباب الثلاثة الذين أدوا دور المعتقلين، قبل أن يتحقق الحلم إلى عمل فني على خشبة المسرح، مؤكدًا أهمية الحديث عن المعتقلين لأنه وجع الجميع، على حد وصفه.

كما بين الزير أن تنوع كادر الفريق وانتماءه لجميع المحافظات السورية كان له دور مهم في نجاح العمل، إذ كان كل واحد منهم مكملًا للآخر.

المسرح في مواجهة الموت

مسرحية سرداب الموت من تأليف وإخراج إبراهيم سرميني، وبطولة فرقة “بيدق” للفنون المسرحية.

وتناقش عبر فصولها حكايات الموت والتعذيب والاختفاء القسري للمعتقلين في سجون النظام، وأمنيات المغيبين بالحرية ولقاء أولادهم ولو للحظات.

وكتب موفق نجار، مغني المسرحية، عبر صفحته في “فيس بوك”، “لأجل من يقطن تحت جوف الأرض، لأجل من غيب عن وجه الدنيا ودفن في سرداب تحت أعماق الأرض” كانت هذه المسرحية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع