سوريا البلد الأول في حرية التعبير.. ولكن!

  • 2019/04/07
  • 1:11 م

مظاهرة في مدينة الباب بريف حلب الشرقي- 5 نيسان 2019 (عنب بلدي)

خليفة خضر

استمرارية الثورية يجب أن تكون باستمرار التأشير بالبنان على الغلط في المكان الذي يوجد فيه، وليس تحويل الثورية لطقوس ووقفات مملة وكلام مستهلك ككلام أنصار حزب البعث العربي الاشتراكي في أيام ما “كنا عايشين”.

يقول لي ما سبق الصديق باسم الدبس صاحب محل تصليح الجوالات في مدينة الباب، والذي يحمل بجعبته الكثير من الآراء التي يحملها في قلبه ولا يحب أن يبوح بها لأي أحد خوفًا من الفهم الغلط أو التهم التي يتراشقها رواد الجدالات العقيمة، فمن لم يطربه كلامك يضعك في خانة أعدائه أيًا كان من أعدائه لا يهم، المهم أنت عدو له بخلافك له ولو بفكرة صغيرة.

بعد حوارات تعيد السردية الزمنية للثورة السورية بذكراها الثامنة، ونحت كل جهة عسكرية تتقاسم السيطرة على الأراضي السورية تمثالًا خاصًا بها عن الحرية، تضعه أمام جمهورها والقاطنيين في مناطق سيطرتها وتضخيمه، على أن هذا هو تمثال الحرية ولا حرية إلا من خلاله، ودونه كفر بواح بمفهوم الحرية.

بتحول مفهوم ثورة الشعب لتمثال وضعته وفصلته الجهات العسكرية بحسب مزاجها، ابتعدنا كثيرًا عن المفهوم الأول للثورة السورية الذي يرمي لتحقيق دولة المواطنة والعدل بين فئات الشعب السوري كافة دون تفريق بين ابن مدينة وريف أو ابن محافظة دون غيرها أو بين سني وعلوي.

لكن!

قد تستغرب من أن حرية التعبير موجودة في سوريا، وهي في المرتبة الأولى بين دول العالم كافة .. نعم كافة! ولكن بحسب الجغرافيا العسكرية والجهة المسيطرة على المنطقة.

نعم، أنت تستطيع شتم أمريكا والعدوان الأمريكي على سوريا والسياسة الأمريكية، تستطيع شتم ترامب وكل رؤساء أمريكا منذ نشأتها حتى اللحظة وتسهب بسرد إجرام أمريكا في دول العالم الثالث ومع أبناء أمريكا من الهنود الحمر وثورة العبيد وتنشر صورًا لمقاطع قصف طيران التحالف الدولي وقنابل الفوسفور التي قصف بها الرقة، لكن عليك أن تقطن في مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية (مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، مناطق سيطرة الجيش الوطني) أو في مناطق سيطرة قوات النظام الذي تتقاسم مناطق نفوذها كل من إيران وروسيا، لكنك في حال أردت أن تسترسل عن انتهاكات أمريكا لا يجب عليك السكن في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشمال شرقي سوريا ذات النفوذ الأمريكي.

وفي حال شاءت ظروفك أن تقيم في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) فلك حرية شتم كل من روسيا وإيران وتركيا والإسهاب والاسترسال بجرائم روسيا في أفغانستان، وما ارتكبه طيران الاتحاد السوفيتي في الدول التي سيطر عليها، وأن تذكر ما فعلته إيران في العراق ومشروعها الذي تنوي من خلاله تصدير الثورة الإسلامية لكل دول العالم، وما فعلته من جرائم طائفية في كل من العراق وسوريا وتجنيدها لآلاف الشباب السوري والعراقي بحجة الثأر للحسين، تستطيع شتم تركيا والاسترسال بذكر ما فعله العثمانيون بحق الأرمن الكرد، ولك حرية العودة لما قبل نشوء الدولة العثمانية وربط انتهاكات تركيا منذ الدولة السلجوقية، لك حرية نشر صور كاريكاتيرية لأردوغان وذكر ما شئت من انتهاكات الفصائل التي تدعمها تركيا وما فعله الطيران والجيش التركي في عفرين. ولكن إياك والاقتراب من أمريكا التي “حررت” الشعب من إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية، وإياك والمساس بشخص أوجلان الرجل الكردي التركي قائد حزب العمال الكردستاني والمعتقل في تركيا، وإياك ووضع لايك على صورة كاريكاتير رسمت له، وإياك والمساس بنهج “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، ووحدات حماية المرأة.

وإذا ردت شتم ما هو ممنوع في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشمال شرقي سوريا، عليك الإقامة في مناطق سيطرة كل من هيئة تحرير الشام والجيش الوطني، التي تشهد نفوذًا تركيًا كاملًا في مناطق سيطرة الجيش الوطني، وشبه كامل في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام عن طريق نشر نقاط مراقبة، لك من الحرية ما ليست موجودة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وما هو ممنوع ويعرضك للقتل والاعتقال في مناطق سيطرة قسد هو لك في مناطق سيطرة هتش والفصائل في شمال وشمال غربي سوريا. اشتم أوجلان واشتم وانتقد الأحزاب الكردية ومشروعها الانفصالي الذي يسعى لتقسيم سوريا وفقًا للقومية وما فعلوه من جرائم بحق المدنيين في كل من الهول والشدادي والرقة ومنبج وتل رفعت، وتكلم بما يحلو لك واسترسل لا عليك، ولكن! إياك وانتقاد تركيا أو الجولاني ومشروعه الإسلامي الذي يريد من خلاله تحرير روما، وإياك وانتقاد ما فعلته النصرة أو انتقاد كل من أردوغان والجيش الوطني الذي يقاتل لتحرير سوريا من الأحزاب الانفصالية.

لكن تستطيع في حال أردت انتقاد السياسية الروسية والإيرانية في سوريا أن تقيم في المناطق التي تمنعك من انتقاد تركيا وهيئة تحرير الشام، تستطيع التحدث بكل ما لديك من كلمات وما وجدته من خلال بحثك عن إيران وروسيا وأمريكا أيضًا ونظام الأسد.

وفي حال أردت انتقاد تركيا وأمريكا عليك بمناطق سيطرة الأسد ولك ما تشاء من نشر صور عن تركيا وأمريكا، ولكن إياك والمساس بهيبة إيران وروسيا وحكومة الأسد.

إذًا، إذا جمعت هوامش الحريات الموجودة في المناطق المختلفة الموزعة على الخارطة السورية تجد أن لك الحرية المطلقة بشتم وانتقاد أي دولة تريد وأي مجموعة عسكرية تريد، لكن أمامك عدة مناطق، اختر واسكن فيها واشتم وانتقد من تريد، وفي حال غيرت وجهة نظرك وأردت شتم وانتقاد دولة أخرى، اذهب إلى الجهة المعاكسة واشتم وانتقد كيفما يحلو لك.

كل من الجهات العسكرية التي تتقاسم الأراضي السورية نحتت تمثالًا للحرية من خلال تصرفاتها، وقالت لجميع المواطنيين الذين يقطنون في مناطق سيطرتها إن الحرية هنا في أعين هذا التمثال، ولكن أي تمثال آخر هو كفر بالحرية وعمالة وتآمر، وقس على ذلك بين أنواع تماثيل الحرية الموزعة بين الجهات العسكرية، تماثيل غير مرتبطة بجغرافيا بعينها بل بجغرافيا الجهة العسكرية.

كنت تستطيع شتم إيران وروسيا وبشار الأسد بكل ما لديك من الكلمات في غوطة دمشق ولكن لم تستطع شتم وانتقاد الفصائل، لكن الآن في الغوطة تستطيع شتم الفصائل وتسترسل بما فعلوه ولكن إياك وذكر اسم روسيا وإيران والفرقة الرابعة إلا بكل خير!

لكن، ولكن هنا ليست كما سابقاتها، لا يزال شباب وصبايا موجودون في الجغرافيا السورية منهم بأسماء وهمية ومنهم بأسمائهم الحقيقية لهم تمثالهم للحرية الذي لا يعبدونه وله رمزية في قلوبهم، يحملونه أينما ذهبوا داخل جغرافيا سوريا، ينتقدون الخطأ أينما كان ومن كان الفاعل، يسعون لتحقيق أهداف الحرية كما بدأت في عام 2011، والتي تسعى لمحاسبة المخطئين وتحقيق العدالة وصون كرامة وحقوق المواطن، تجدهم في معرة النعمان، يتظاهرون ضد النصرة بالرغم من سيطرة النصرة على مناطقهم، تجدهم في الرقة ينتقدون انتهاكات قسد بالرغم من سيطرة قسد على محافظتهم، وآخرون ينتقدون الجيش الوطني في كل من عفرين واعزاز بالرغم من سيطرة الجيش الوطني على المنطقة، وتجدهم ينتقدون الأسد في درعا بالرغم من سيطرة الأسد على مناطقهم.

شباب رتبوا تمثال حريتهم ورمموه من كل قصف أو رجم أو تحطيم تعرض له.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي