نبيل محمد
يبحث مشروع مسرح الحالمين عن أي طريقة للاحتفال بيوم المسرح العالمي، في الباب، تلك المدينة التي لجأت إليها فرقة طريق الخبز المسرحية خارجة من حلب، حين كانت تصرُّ على خلق الخشبة بين الأبنية المدمرة، وإعلان وجود حركة مسرحية في أخطر مدينة في العالم. وكأي مشروع كان يهدف لصناعة أي شكل من أشكال الحياة في حلب، خرجت الفرقة من المدينة مشتتةً، تحاول تجميع نفسها، وتضميد جُرحِ ترْك المكان، بضماد الحلم، وإمكانية الصراخ بصوت مرتفع فوق أي خشبة، في أي مكان تعيد الفرقة تكوين نفسها فيه، وهو ما كان في قرية بزاعة قرب مدينة الباب.
مجموعة كبيرة من الأطفال، يدربها وينسق أصواتها ويرتبها المسرحي سلمان إبراهيم، الذي عرّف هؤلاء الأطفال على طريقة لم يختبروها من قبل، للتعبير عن أنفسهم، وسَرد ذكرياتهم الأليمة في القصف والحصار، لنجد كل طفل منهم يعرّف عن نفسه بصفة ممثل، في فيلم قصير صدر أواخر 2018 بعنوان مسرح الحالمين، الفيلم الذي يواكب جزءًا من تجربة الفرقة في المسرح التفاعلي، وينقل أصوات أطفالها الممثلين، على الخشبات التي قدموا فيها عروضهم، برفقة مدربهم المبتسم لكل جملة ينطقونها، والذي يردد أمامهم دومًا مقولات تنتمي للفن والحياة، بثنائية الخبز والفن، تلك الثنائية التي صاغها بريخت، وصاغت شعار المشروع “أعطني خبزًا ومسرحًا، أعطيك شعبًا مثقفًا”.
يفتتح إبراهيم شريط “مسرح الحالمين” بالقول، “سؤال ما هي الحرية سؤال جدلي وغير منطقي، لكن السؤال الحقيقي هو كيف الحرية؟”، من هنا انطلقت الفرقة تمامًا، لتقديم الحرية بصورتها الكيفية التي يعبر من خلالها الناس عن أنفسهم، الناس هنا هم جهمور وممثلون وكوادر عمل موجودون في أماكن يتوق كل منهم فيها للتعبير عن نفسه، وتوظيف صوته في الصراخ الجمعي. في العروض العديدة التي قدمتها الفرقة، كان تجسيد كيفية فهم الحرية واضحًا، على الأقل وفق ما يبدو من الفيلم الذي قدّم المشروع، أو قطعات الفيديو الصغيرة المتناثرة هنا وهناك، والتي نقلت أجزاء من عروض طريق الخبز.
“نقرر إنجاز مسرحية، نضع قواعدنا، ننتج نصنا، نخلق فرقتنا، نقدم عرضًا مسرحيًا، لا أحد يطلب منك أن تقدم شيئًا معنيًا، أو أن تحذف شيئًا”، يقول ذلك مؤسس الفرقة، منطلقًا من حديثه عن الحرية التي كانت الظرف الأساسي الذي استدعى وجود مشروع مسرحي في منطقة محاصرة (حلب حينذاك)، في ظل صورة تنتشر في غالبية وسائل الإعلام في العالم، تقدم حلب التي يحاربها النظام السوري، كمكان لتجمع عصابات إرهابية لا أكثر. هنا في هذا المكان ولد المشروع، واقترح فكرة الحرية كثيمة عمل، مكّنت كل من خاض تجربةً فيه من أن يعبر عما يريد، وأن يكتشف كل من هؤلاء الشبان والفتيات والأطفال فرادة أصواتهم وتجاربهم، وقدرتهم على الاختلاف. الاختلاف الذي تركز عليه الفرقة اليوم، في سياق بحثها عن خطوات ثابتة تمكنها من تقديم شيءٍ جديد، تحقق فيه منجزًا جديدًا “يحجب أن لا نكون فقط تكرارًا للحالات الموجودة”.. يهمس لنا مؤسس الفرقة.
الممثل عبد الرحمن حسون، الممثل طه شرقطلي، الممثلة قمر الشاه، الممثلة خديجة الزبن، الممثلة جودي التركماني، الممثلة سارة التركماني، الممثل عبد الرحمن نعمان.. وأكثر من عشرة أطفال آخرين تتراوح أعمارهم بين سبعة أعوام وثلاثة عشر عامًا، يقدمون أنفسهم كممثلين، خاضوا عروضًا مسرحية في ظروف لم تكن تسمح لهم في أغلب الأيام بالذهاب إلى مدرستهم – إن لم تكن المدرسة مدمرة كليًا أصلًا- وينتظرون عروضًا أخرى يطورون معها تجربتهم، ويصرخون أمام حشد من الجمهور، تختصر خطواتهم الصغيرة فوق الخشبة، مسيرة عشرات الكيلومترات بين منازلهم الأصلية، وبين المناطق التي نزوحوا إليها أكثر من مرة. هجرات متتالية مر بها هؤلاء الممثلون الصغار، في تجربة كل طفل منهم سندباد بحري، إنما موغل بالواقعية، هاجمته وحوش ما زالت تمارس التوحش، ولدى كل واحد منهم حلم كلما انكسر، عاد متألقًا بتفاصيله على الخشبة.. “فالحلم لا يموت، أنت فقط تتوقف عن تحقيقه”.