إبراهيم العلوش
في قمة تونس التي انعقدت يوم 31 من آذار 2019، كادت جامعة الدول العربية أن تعيد بشار الأسد إلى صفوفها، لولا التدخلات الدولية، فهذه المنظمة لم تأبه بالشعوب العربية، ولا بمعاناتها طوال قممها الثلاثين التي انعقدت منذ تأسيسها في العام 1945.
فمنذ أن أطلق أنتوني ايدن، وزير الخارجية البريطانية، أول نداءاته لتأسيس جامعة الدول العربية في أثناء الحرب العالمية الثانية، كانت الجامعة ناديًا للحكام والملوك الذين استولوا على الحكم في العالم العربي، بعد بدء موجة استقلال الدول العربية من الاحتلال الأجنبي، وكثيرًا ما كان قادة الانقلابات العسكرية يحضرون إلى القمم العربية والدماء لم تجف بعد عن أيديهم وهم يصفّون خصومهم الذين كانوا يحضرون القمة السابقة، ناهيك عن استمرارهم بقتل واعتقال أفراد الشعب ومفكريه، وناشطيه السياسيين، وهذا يشكل مفخرة في تاريخ الحكام العرب، ومبعثًا للشعور بالرجولة والسطوة، وما إلى ذلك من قيم تمجد التخريب وإذلال الناس.
وبالرغم من أن الجامعة العربية تضم دولها 340 مليون إنسان، ومجموع مساحات دولها تأتي الثانية عالميًا بعد مساحة روسيا، وهي أول منظمة دولية تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، حتى قبل منظمة الأمم المتحدة، وقبل الاتحاد الأوروبي، فإن نهج هذه الجامعة لا يزال ثابتًا في الاهتمام بالملوك والحكام بدلًا من الاهتمام بالشعوب، ما جعل الناس يعتبرون قممها السنوية المتشابهة، بمثابة سيرك للخطابات المتكررة، ومهرجان للأقوال التي لا تجد من ينفذها، ولعل أبرز نجوم السيرك هو العقيد معمر القذافي الذي كان يفوق أداؤه التمثيلي في القمم العربية أداء الممثل الكوميدي عادل إمام، والرئيس اليمني علي عبد الله صالح صاحب الأقوال الشهيرة بالحلاقة وتصفية الحكام بالدور، وكذلك أداء بشار الأسد، المشارك فيها كمرشد وأستاذ في علوم السيارات القديمة والجديدة، وهو اليوم مشغول باستكمال تسليم سوريا للإيرانيين والروس بعد الدمار الشامل الذي ألحقه بها وبشعبها، ولم يتبقَ من المهرجين اليوم في القمم العربية إلا الجنرال عبد الفتاح السيسي صاحب الثلاجة الفارغة!
كان العالم العربي بعد استقلال دوله عالمًا واعدًا بقواه البشرية، وبمساحته، وبالثروات النفطية والمعدنية الكبيرة، وكان من الممكن أن يكون عالمًا يؤمّن الرفاهية والتطور لشعوبه، من خلال ثورة تكنولوجية، وتطور ثقافي، وسياسي، يجعله في عداد الشعوب المتحضرة، والمنتجة للسلع، وللأفكار الجديدة، بدلًا من أن ينتهي به الحال كمنتج للدكتاتوريات والحكام الأبديين، بالإضافة إلى إنتاج الإرهاب وتصديره إلى أصقاع الأرض، بشكل صار يثير الخوف من العرب، ومن الإسلام، ويجعل المواطن العربي خائفًا في كل المطارات، وعند النقاط الحدودية عبر العالم، ناهيك عن خوفه في فروع المخابرات الوطنية وحتى في الدوائر الرسمية!
كان من شروط الانتساب إلى جامعة الدول العربية عند تأسيسها أن تكون الدولة مستقلة وخالية من الاحتلال، فكيف تصر عدد من الدول العربية على عودة نظام الأسد إلى مقاعد الجامعة العربية، وسوريا دولة محتلة اليوم من قِبل دولة إيران ومن قِبل دولة روسيا، وتقوم هاتان الدولتان بإدارة كل شؤون الجيش، والحكومة وتملي عليها الاتفاقات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، التي تمتد عشرات السنين، وتقومان بإعادة هندسة السكان، وفق رؤية الاحتلال والحفاظ على ديمومته، ولعل وضع القواعد البحرية والبرية، والمعسكرات التي يتم تسليمها للدولتين وخارج السيادة الوطنية، هو الوضع السائد وبشكل علني، ناهيك عن نهب الفوسفات والبترول والغاز والموانئ، وآلاف الهكتارات التي تستملكها الدولتان من أجل صناعة مراكز أمنية وعسكرية واقتصادية تؤمّن استمرار هذا الاحتلال.
الربيع العربي هزّ جامعة الدول العربية، وأربك قممها، وأقلق حكامها، وهو مقدمة لمستقبل تستحقه الشعوب العربية، ورغم تدهور عدد من ثورات الربيع العربي، التي ابتدأت في 2011، فإن الجامعة العربية وحكامها الأبديين، ونصف الأبديين، يشعرون اليوم بانعدام الوزن، ويتطايرون بين قوى النفوذ الإقليمية والدولية في محاولة يائسة لمساعدتهم على إبقاء الشعوب العربية مخدرة بالوعود وبالأوهام، ومتهمة بالإرهاب، وبعدم استحقاقها للديمقراطية، ولكن هذا الأمل صار واهيًا، فما يحدث في الجزائر اليوم من اندلاع المظاهرات المليونية ضد بوتفليقة وطغمته يُسمع من به صمم، ويقول إن الشعوب العربية لن ترضى البقاء في السجون وفي المعتقلات، ولن تظل في قاعات المحاضرات التي تتلاعب فيها أحزاب العسكر بالألفاظ و بالوعود الكاذبة، فسواء عاد بشار الأسد إلى قمة الجامعة العربية أم لم يعد.. فإن الشعب السوري وشعوب الربيع العربي لن ترجع إلى عصر الخوف أبدًا!