راما شربجي | برنامج مارِس التدريبي
يميل الشباب والشابات السوريون في السنوات الأخيرة، إلى البحث عن شريك الحياة والارتباط عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا المغتربين منهم، بسبب حملات النزوح واللجوء التي شهدها المجتمع السوري، ما أدى إلى تغيير بعض العادات والتقاليد بمراسم الزواج والخطوبة، التي تبقى رهينة بين هاجسي النجاح والفشل.
خطوبة عبر الإنترنت
مريم أحمد، (اسم مستعار) فتاة سورية عشرينية تعيش في مصر، لا ترغب بذكر اسمها الحقيقي خوفًا من الحرج الاجتماعي، عقد قرانها، قبل سنة، على شاب سوري يعيش في تركيا.
وتقول مريم لبرنامج “مارِس” التدريبي، “تقدم لؤي لخطبتي بحكم صداقته القوية مع شقيقي، وكنا نتواصل عبر تطبيق الماسنجر، لنتعرف على بعضنا أكثر”.
وتضيف مريم، “في البداية لم أقتنع بفكرة خطوبتي عن بعد، فأنا لا أعرف الشاب ولا أحمل مشاعر تجاهه، لكن تواصلنا عبر الإنترنت ساعدنا على فهم بعضنا ومعرفة النقاط المشتركة بيننا”.
وأوضحت مريم أنها ستسافر إلى خطيبها في تركيا لتتزوج هناك، حينما تحصل على تأشيرة الدخول، وأشارت إلى أنها لن تقيم عرسًا في مصر، فبحسب رأيها “الثوب الأبيض هو فرحة العرسان وحدهم”.
شابة أخرى، عرفت نفسها باسم رنيم كمال الدين (22 سنة)، تقيم في مدينة اسطنبول، لم تر خطيبها الذي كان في سوريا، طيلة فترة خطوبتهما والتي استمرت لمدة سنتين كاملتين، وكانت تعتريها صعوبات بسبب قلة التواصل بينهما على وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة انشغال خطيبها بالعمل والدراسة.
وفي حديثها لبرنامج “مارِس” التدريبي، تقول رنيم، “كنت دومًا أشعر بحاجتي لوجوده جانبي، وما كان يتعبني أكثر تعليقات من حولي وتدخلهم بشؤوني، وتكرارهم جملة (ما رح تكونوا لبعض)”.
على الرغم من الصعوبات والانتقادات وطول الانتظار، “تزوجنا منذ 4 شهور، وأقمنا عرسًا بحضور عائلتي وعائلته، ونعيش الآن كل المشاعر التي لم نستطع أن نعيشها من قبل”، بحسب ما قالته رنيم.
لن أكررها ثانية
أما يارا الخطيب (اسم مستعار)، شابة سورية تقيم في فرنسا رفضت الكشف عن اسمها لأسباب شخصية، فتعارض الخطوبة عن بعد، بسبب تجربة سابقة انتهت بالانفصال.
وتشرح وجهة نظرها لبرنامج “مارِس” بالقول، “وافقت على الشاب بعد رفضٍ متكرر مني، وبسبب توصيات المعارف والأقارب، ورؤيتي لتجارب صديقاتي في خطوبات إلكترونية ناجحة، الأمر الذي شجعني على خوض هذه التجربة”.
وعلى الرغم من أن خطيبها يقيم في ألمانيا، لم تستمر علاقتهما سوى شهرين، بسبب “الجفاء وقلة الاهتمام”، على حد تعبير يارا، التي عزت سببه إلى “أننا لم نكن نتقابل، ولم يحصل تواصل بصري وفيزيائي مباشر، ما أدى الى برودة في تواصلنا على مواقع التواصل الاجتماعي”.
وترى يارا أن “الخطوبة التي تتم على الواقع أنجح وأكثر أمانًا من حيث النتائج والاستمرارية”.
عرسُ بلا عريس
على الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية وأرقام ترصد ظاهرة “الزواج عن بعد”، باتت أمرًا مألوفًا تأقلم معه الكثير من السوريين.
ديالا مطر (25 سنة)، ارتبطت بخطيبها الموجود في اسطنبول، بعد أن وكّل أمه لتبحث له عن عروس في سوريا، وتمت الخطبة بشكل رسمي بعد أن تعرفت العائلتان على بعضهما في دمشق.
وتقول ديالا لبرنامج “مارِس”، “كان تواصلي الحميم مع أمه وأخواته البنات عاملًا مهمًا في اعتيادي على خطيبي وتأقلمي مع غيابه”.
وتتابع ديالا، “حاول خطيبي جاهدًا أن يزيل حواجز الخجل والتوتر بيننا، كان يهاتفني يوميًا، ويشاركني صوره أينما ذهب”.
وبعد عام من الخطوبة تخللتها الكثير من الإجراءات للحصول على تأشيرة دخول لديالا إلى الأراضي التركية، أقامت العائلتان حفل زفاف في دمشق، جمع عائلتها وصديقاتها وأقرباء العروسين، لكن العريس لم يكن موجودًا.
حفل الزفاف من دون حضور العريس بات طقسًا شائعًا في الآونة الأخيرة في سوريا، “العرس كان للعائلة والأحبة، لأنه من الصعب على عائلتي أن تتزوج ابنتهم من دون أن يروها بالثوب الأبيض”.
سلاح ذو حدين
يرى الطبيب باسل نمرة، المختص بالإرشاد والدعم النفسي المجتمعي، أن الإنترنت بات وسيلة مهمة للارتباط بين الشباب بقصد الزواج.
وعن الإنترنت وتأثيره في حياة المجتمع السوري يقول نمرة، “لم يعد الإنترنت عالمًا مبهمًا وافتراضيًا كما كان سابقًا، بل أصبحت فئة كبيرة من الناس في مجتمعنا تستخدمه للتعبير عن نفسها وعن أفكارها بشكل واضح”.
بدوره، ينصح الاختصاصي النفسي محمد أيوب، الفتيات في مثل هذه الظروف، أن يعشن حياتهن بشكل طبيعي، والابتعاد عن الخوف الزائد من فكرة الزواج عن بعد.
في المقابل ترى الاختصاصية النفسية والاجتماعية مجد حمامي أنه “غالبًا في علاقات الخطوبة عن بعد، لا يكون الرجل والمرأة واضحين تجاه بعضهما، ولا يستطيعان رؤية ما يحملان من صفات إيجابية وسلبية تعينهما على تقبل بعضهما”.
وتضيف حمامي في حديثها لبرنامج “مارِس”، “أن الزواج عن بعد هو موضة العصر، وبرأيي فإنه سلاح ذو حدين، إما أن يكون الشريكان متفاهمين وواضحين مع بعضهما فيستطيعا الاستمرار، وإما يكونا غير واضحين فتسود المشاكل ويحدث الطلاق “.
“جائز شرعًا”
وقال القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود المعراوي، عبر تسجيل نشرته صحيفة الوطن، “إن الزواج عبر الإنترنت، الذي يتم بحضور شاهدين مدركين، وأب الزوجة، يعد زواجًا صحيحًا وجائزًا شرعًا، وهو زواج عرفي باعتبار أن الفقهاء أجازوا الزواج عبر المراسلة، وهو أن يرسل الراغب في الزواج إلى الفتاة أو والدها، ثم تقرأ الرسالة مباشرة وتجيب الفتاة أو يجيب والدها بالقبول”.
وبحسب إحصائيات حديثة نشرتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على موقعها الرسمي، 14 آذار 2019، فإن عدد اللاجئين الفارين من سوريا تجاوز 5.6 ملايين شخص، معظمهم في تركيا، حيث يبلغ عدد السوريين فيها حوالي 3.6 مليون حسب الإحصائيات الرسمية، والبقية موزعون في دول الجوار والاتحاد الأوروبي.
وكان القاضي المعراوي صرح في أيار 2016، أن “نسبة عقود الزواج خارج سوريا، التي تتم عبر الوكالات وصلت إلى 50 بالمئة من مجمل العقود التي تعقد في المحكمة الشرعية، بعدد يومي بلغ نحو 60 عقدًا”.
–