د. أكرم خولاني
مرض التوحد من الأمراض النفسية الاجتماعية التي تؤثر على شخصية المصاب وعلى مختلف جوانب حياته.
وبالرغم من عدم وجود علاج نهائي لهذا المرض، حتى الآن، إلا أن العلاج المكثف والمبكر، قدر الإمكان، يمكنه أن يُحدث تغييرًا ملحوظًا وجديًا في حياة الأطفال المصابين به، ولذلك من الضروري التعرف على هذا المرض وأهم الأعراض والعلامات التي تميزه.
ما هو مرض التوحد
مرض التوحد (الذاتوية Autism)، هو اضطراب النمو العصبي الذي يتصف بضعف التفاعل الاجتماعي، والتواصل اللفظي وغير اللفظي، وبأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة، ويعرّف بأنه عجز تطوري معقد، يظهر نموذجيًا خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر، نتيجة اضطراب عصبي يؤثر في وظيفة الدماغ الطبيعية، وفي مجالات التفاعل الاجتماعي ومهارات التواصل.
ويعتبر التوحد الكلاسيكي (مرض التوحد) أحد ثلاثة اضطرابات تندرج تحت مرض اضطراب طيف التوحد (ASDs)، ويشمل هذا المصطلح عدة حالات؛ إذ تشير كلمة “الطيف” في عبارة اضطراب طيف التوحد إلى مجموعة كبيرة من الأعراض ومستويات الشدة.
ويسمى مرض التوحد نفسه بالاضطراب الطفولي، أما الاضطراب الثاني فيسمى متلازمة أسبرجر؛ التي تفتقر إلى التأخر في النمو المعرفي وفي اللغة، والاضطراب الثالث يعرف باضطراب النمو المتفشي(PDD NOS)؛ ويتم تشخيصه في حالة عدم تواجد معايير تحديد مرض التوحد أو متلازمة أسبرجر، وعلى الرغم من ذلك، في ممارسات الطب السريري غالبُا ما يستخدم مصطلح التوحد، واضطراب النمو، واضطراب طيف التوحد بالتبادل.
ويصيب التوحد الذكور أكثر من الإناث بأربع مرات، ويصيب حوالي 1- 2 من كل 1000 شخص في جميع أنحاء العالم، وإن عدد الحالات المشخصة من هذا الاضطراب تزداد باضطراد على الدوام، ومن غير المعروف، حتى الآن، ما إذا كان هذا الازدياد هو نتيجة للكشف والتبليغ الأفضل نجاعة عن الحالات، أم هو ازدياد فعلي وحقيقي في عدد مصابي مرض التوحد، أم نتيجة هذين العاملين سوية.
ما أسباب مرض التوحد؟
إن الأسباب الحقيقية للإصابة بالتوحد غير معروفة، وبالأخذ بعين الاعتبار تعقيد هذا الاضطراب، وتباين أعراضه وشدته، فمن المحتمل أن يكون هناك العديد من الأسباب له، وقد يلعب التكوين الوراثي والبيئة دورًا:
العوامل الوراثية:
يزداد معدل إصابة أشقاء الطفل التوحدي بمرض التوحد، إضافة إلى ذلك فإنه في حال عدم إصابة أشقاء طفل التوحد بالتوحد، فهم معرضون للإصابة باضطرابات أخرى لها علاقة بتواصل المهارات الاجتماعية، وقد تعزز التغيرات الجينية (الطفرات) خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد، كما قد يرتبط اضطراب طيف التوحد في بعض الأطفال باضطراب جيني مثل متلازمة توريت أو متلازمة الصبغي إكس الهش أو مرض التصلب الحدبي أو بيلة الفنيل كيتون.
العوامل البيولوجية:
تؤكد المعلومات العلمية التي تُظهر أن نسبة عالية من الأطفال التوحديين تعاني من التخلف العقلي، ونسبة أكثر من المتوقع تعاني من الصرع، وقد أظهر تخطيط كهربائية الدماغ EEG العديد من التسجيلات غير الطبيعية عند بعض مرضى التوحد.
العوامل البيئية:
الأدلة الخاصة بالأسباب البيئية غير مؤكدة ولم تثبتها دراسات موثوقة، وتشمل العوامل البيئية التي قيل إنها تساهم في أو تؤدي إلى تفاقم التوحد، بعض الأطعمة، والأمراض المعدية الفيروسية، والمعادن الثقيلة، والمذيبات، وعوادم الديزل، والكلور، والفثالات والفينولات المستخدمة في المنتجات البلاستيكية والمبيدات الحشرية، والكحول، والتدخين، والمخدرات، واللقاحات، والإجهاد قبل الولادة. ورغم وجود نظريات غير معتمدة تلقي باللوم على المادة الحافظة الموجودة في اللقاح أو على لقاح الـ MMR باعتبارهما السبب في الإصابة بالتوحد، إلا أن تلك النظريات تم ضحدها نظرا لضعف حجتها.
العوامل المناعية:
أشارت العديد من الدراسات الى أن عدم التوافق المناعي قد يكون من أسباب التوحد، حيث تبين أن كريات الدم البيضاء اللمفاوية التي تخص الجنين قد تتفاعل مع الأجسام المضادة للأم، والذي بدوره يرفع إمكانية تلف النسيج العصبي للجنين.
كيف يتظاهر مرض التوحد؟
تظهر بعض أعراض التوحد على الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، خلال السنة الثانية أو الثالثة من العمر.
ومن الصعب تحديد هذه الأعراض قبل بلوغ الطفل سن 12 شهرًا، مثل قلة الاتصال بالعين أو عدم الاستجابة لاسمهم أو عدم الاكتراث للمحيطين.
وقد ينمو أطفال آخرون بشكل طبيعي خلال الأشهر أو السنوات القليلة الأولى من عمرهم، لكنهم يصبحون فجأة انطوائيين أو عدوانين أو يفقدون المهارات اللغوية التي قد اكتسبوها،ومن المرجح أن يكون لكل طفل يعاني من اضطراب التوحد نمطًا فريدًا من السلوك ومستوى الأعراض والعلامات من الأداء المنخفض إلى الأداء العالي.
وقد يترافق التوحد بعلامات حركية تشمل ضعف العضلات، وضعف التخطيط للحركة، وضعفًا في المشي على القدمين، قد يُلاحظ على مريض التوحد بعض التشوهات الخلقية البسيطة، مثل تشوهات في الأذن الخارجية، وقد يلاحظ أيضًا وجود شذوذ في الرسم الجلدي في بصمات اليدين (والأصابع تحديدًا) مقارنة مع باقي الأطفال غير التوحديين.
والمميزات الأكثر شيوعًا لمرض التوحد تظهر في ثلاثة مجالات تطورية أساسية، هي:
المهارات الاجتماعية:
- لا يستجيب لمناداة اسمه
- لا يُكثر من الاتصال البصريّ المباشر
- غالبًا ما يبدو أنه لا يسمع محدّثه
- يرفض العناق أو ينكمش على نفسه
- يبدو أنه لا يدرك مشاعر وأحاسيس الآخرين
- يبدو أنه يحب أن يلعب لوحده، يتوقع في عالمه الشخص الخاص به.
المهارات اللغوية:
- يبدأ الكلام (نطق الكلمات) في سن متأخرة، مقارنة بالأطفال الآخرين
- يفقد القدرة على قول كلمات أو جمل معينة كان يعرفها في السابق
- يقيم اتصالًا بصريًا حينما يريد شيئًا ما
- يتحدث بصوت غريب أو بنبرات وإيقاعات مختلفة، يتكلم باستعمال صوت غنائي، وتيريّ أو بصوت يشبه صوت الإنسان الآلي (الروبوت)
- لا يستطيع المبادرة إلى محادثة أو الاستمرار في محادثة قائمة
- قد يكرر كلمات، عبارات أو مصطلحات، لكنه لا يعرف كيفية استعمالها.
السلوك:
- النمطية: الحركة المتكررة، مثل ترفرف اليدين، أو دوران الرأس، أو اهتزاز الجسم، أو الدوران في دوائر.
- سلوك قهري: المتبع في الالتزام بالقواعد، مثل ترتيب الأشياء على هيئة أكوام أو صفوف.
- التماثل: مقاومة التغيير، على سبيل المثال الإصرار على ألا ينقل الأثاث من مكانه، وعلى ألا يقوم أحد بإيقاف هذا الشخص.
- الطقوس: يمثله نمطًا غير متغير من الأنشطة اليومية، مثل وجود قائمة ثابتة، أو وجود أحد الطقوس في خلع الملابس. ويرتبط ذلك ارتباطًا وثيقًا بالتماثل. ويقترح دمج الاثنين معًا [41].
- السلوك المقيد: وهو سلوك محدود في التركيز، والاهتمام أو النشاط، مثل الانشغال ببرنامج تليفزيوني واحد أو الانشغال بلعبة واحدة، ويصاب بالذهول والانبهار من أجزاء معينة من الأغراض، مثل دوران عجلات في سيارة لعبة.
- إصابة الذات: وتشتمل على الحركات التي تصيب أو يمكن أن تؤذي الشخص، مثل دبس العين، أو عض اليد، أو ضرب الرأس.
- دائم الحركة.
كلما تقدم الأطفال في السن نحو مرحلة البلوغ، يمكن أن يصبح جزء منهم أكثر قدرة واستعدادًا على الاختلاط والاندماج في البيئة الاجتماعية المحيطة، ومن الممكن أن يظهروا اضطرابات سلوكية أقل من تلك التي تميز مرض التوحد، حتى أن بعضهم ينجح في عيش حياة عادية أو نمط حياة قريبًا من العادي والطبيعي.