لم تكد “داعش” تدخل مرحلة الإحتضار حتى شرع تنظيم “حراس الدين”، الوريث الشرعي لراية “القاعدة” السورية، في التحضير لوراثة دولة الخلافة، عناصر وخبرات وأسلحة أيضاً في سوريا والعراق. تنظيم الحراس تأسس مطلع العام الماضي بالانشقاق عن “هيئة تحرير الشام”، ويضم مجموعة من الكوادر القاعدية يقودها سوري اسمه سمير حجازي (أبو همام الشامي)، لكن يغلب عليها الحضور الأردني.
وهذا فصل جديد من قصة تقلب علاقات الجماعات الجهادية مع “القاعدة”، وتأرجحها بين البيعة والطلاق والتكفير. اليوم، وبعد خيبات “داعش”، يُهرول عناصرها وكوادرها إلى من كفروهم بالأمس، أي “حراس الدين” المُبايعة لتنظيم “القاعدة”. هذا ينطبق على العراق كما سوريا. اليوم، تتوالى التقارير من العراق بشأن انتشار تنظيم “حراس الدين” في أكثر من محافظة سُنية.
ليس هذا الكلام عصياً على التصديق في ظل ثنائية “الحشد الشعبي” والقوى الأمنية. كانت القوى السُنية تشكو نفوذ القوى الطائفية الشيعية في الجيش وقوى الأمن، ووُلدت “داعش” من رحم هذه المظلومية. اليوم باتت هناك ثنائية أمنية، جيش وقوى أمنية لم تُفارقهما تهمة الطائفية، من جهة، و”حشد شعبي” يضم هذه الجماعات بأعلامها وشعاراتها الطائفية، من جهة ثانية. باختصار، هذه الجماعات واضحة وبارزة في نفوذها اليوم، ولن يمضي وقت طويل حتى تطل المظلومية السنية برأسها مجدداً من بين أنقاض معركة “داعش”.
والحراس هنا بخبرتهم قادرون على العودة إلى زمن تفجيرات “القاعدة” وعملياتها الخاطفة والصادمة، بعدما أثبتت استراتيجية السيطرة على الأرض، أنها كارثية للسكان والجماعات الجهادية على حد سواء. وربما تقف هذه القناعة الراسخة بأهمية هذا التكتيك في ظل انعدام توازن القوة بين الجهاديين وخصومهم، وراء انضمام بقايا “داعش” إلى “حراس الدين”. وربما لتجنب هذا التسرب والاستقطاب، كفّر تنظيم “داعش” الحراس الصيف الماضي، واعتبرهم مجرد أدوات عند أمير هيئة تحرير الشام “أبو محمد الجولاني”.
والحقيقة أن علاقة الحراس ب”الهيئة”، ملتبسة. ذلك أن هناك توتراً ظاهراً لجهة احتجاز الهيئة قياديين من الحراس، ومصادرة أسلحتهم والتضييق على خلاياهم. لكن هناك من جهة ثانية، تساهلاً غير مفهوم حيال الحراس، مقارنة بجماعات إسلامية أخرى أقصتها الهيئة بالترهيب والعنف، واستقطبت عناصرها بعد طرد أو قتل قادتها. هناك “أبوية” في علاقة “الهيئة” بالـ”حراس”، يُعكرها التوتر والتنافس على استقطاب العناصر.
“حراس الدين” أيضاً تتمايز في مغازلتها “داعش”. في فيديو لعناصر الحراس قبل أيام، إشادة باستبسال عناصر “داعش” في مواجهة الأكراد في الباغوز. هم لا يُهادنون ويُقاتلون حتى الرمق الأخير. هكذا وصف أحد عناصر الحراس، الدواعش في الفيديو.
يُشبه تنظيم “حراس الدين” القاعدة الأم في عملها التنظيمي. هي تُجيد العمل السري وتنمو بأخطاء الآخرين. تُنفذ اعتداءاتها وتختفي. حتى في إدلب، يتسم الحراس بخفة في الحركة وانتشار في أكثر من موضع جغرافي، بما يجعلهم عبئاً أمنياً لو حاولت الهيئة الانقضاض عليهم. الخفاء بُنية تحتية أمنية مُفيدة في زمن الهزيمة. كما أنها تُتيح الانتشار في زمن الانحسار أيضاً. رغم الحملة على إدلب، أرسل تنظيم “حراس الدين” الأردني إياد الطوباسي المعروف بإسم “أبو جليبيب” إلى درعا لإعادة تنشيط القتال هناك، لكنها سرعان ما نعته “شهيداً”.
تبقى حظوظ تنظيم الحراس مرتبطة بعاملين: أولاً، صعود حمزة بن لادن، نجل المؤسس أسامة، الى قيادة “القاعدة”، وإلهامه جيلاً جديداً من الجهاديين. هذا الهدف بات قريباً. العامل الثاني هو العفن الذي تنمو عليه مثل هذه الجماعات: الطائفية والقمع الشمولي. وهذان شلالان لن ينضبا في منطقتنا.