هل سيخسر الأكراد القرن الجديد كما خسروا الذي قبله؟
لأن القرن الماضي، القرن العشرين، قد حرم الأكراد من أن يكون لهم كيانهم المستقل وتكون لهم دولة «قطرية» أو «قومية»، مثلهم مثل كل شعوب هذه المنطقة التي كانت منضوية في إطار الخلافة العثمانية، فقد ساد اعتقاد بأن هذه الألفية الثالثة ستنصف هذا الشعب أو هذه الأمة، وأن هذا الاقتتال الذي بقي محتدماً في سوريا وفي العراق وأيضاً إنْ ليس داخل تركيا فعلى أطرافها، سوف يسفر عن اجتراح هذا الشعب لبعض حقوقه وأكثر من مجرد «الحكم الذاتي» الذي يتغنى به أصحاب «سوريا الديمقراطية» بعد تحرير «الباغوز» في شرق الفرات من تنظيم «داعش» الإرهابي.
تشير التقديرات، التي هي أقرب إلى الصحة، إلى أن عدد الأكراد، أو الكرد، في تركيا يتجاوز ثلاثين مليوناً، وأن عددهم في العراق يصل إلى أربعة ملايين أو يتجاوزها بقليل، بينما عددهم في إيران يصل إلى هذا الرقم آنف الذكر نفسه، هذا باستثناء «اللور» و«الفيليين» الشيعة، وذلك في حين أن عددهم في سوريا يصل إلى المليونين وربما أكثر قليلاً، وأن لهم وجوداً في الأردن وفي بعض دول الخليج العربي وأيضاً في أذريبجان وأرمينيا وروسيا وفي بعض الدول الأوروبية الشرقية والغربية.
كان الأكراد قد «ضاعوا» في إطار الإمبراطورية العثمانية كما «ضاع» غيرهم، ومنهم عرب بلاد الشام وبلاد الرافدين تحديداً، ولكنهم بعد غروب شمس العثمانيين كنتيجة للحرب العالمية الأولى تحولوا إلى فَرْقِ حسابات بين الدول الناشئة ومن بينها تركيا، التي أصبح عددهم فيها بعد نحو قرن بأكمله يزيد على ثلاثين مليوناً، والعراق وسوريا، وذلك في حين أنه كان لإيران الشاهنشاهية حصتها من هذا التقاسم بعدد يقال إنه بعد كل هذه الفترة الطويلة قد وصل إلى خمسة ملايين والبعض يقول لا بل إنه بالإضافة إلى «اللور» و«الفيليين» و«البلوش» قد تجاوز عشرة ملايين!
والمعروف أنَّ النزعة الاستقلالية لدى قاضي محمد، من أكراد إيران، ولدى الملا مصطفى البارزاني، من أكراد شمال شرقي العراق، قد أدت في 22 يناير (كانون الثاني) عام 1946 إلى إنشاء «جمهورية مهاباد» المعروفة بمساندة ودعم الرئيس السوفياتي الأسبق جوزيف ستالين الذي كان يسعى لتوسيع نفوذ الدولة السوفياتية بإقامة كيانات قومية تابعة لموسكو وموالية له وللحزب الشيوعي، لكن هذه الدويلة الكردية لم تعش إلا أحد عشر شهراً وكانت نهايتها المأساوية قد تمت بضغط شاه إيران رضا بهلوي وبمساندة أميركا التي قامت بدورها بضغط شديد على الدولة السوفياتية وحمْلِها على رفع يدها عن هذه الدويلة.
وكانت النتيجة أن إيران الشاهنشاهية بعد أن أسقطت هذه الجمهورية، جمهورية مهاباد، قد بادرت في عام 1947 إلى إعدام قاضي محمد، في حين أن القائد الفعلي لهذه الدولة القصيرة العمر الملا مصطفى البارزاني، قد لجأ مع بعض ضباطه إلى الاتحاد السوفياتي وبقي هناك لفترة طويلة، حيث عاد بعد ذلك إلى كردستان العراقية ليبدأ ثورة مسلحة استمرت لسنوات طويلة وانتهت بلعبة «تآمرية» بين الشاه محمد رضا بهلوي والرئيس العراقي صدام حسين وبوساطة دولية عربية أفريقية!
ولعل ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن النزعة الاستقلالية لدى أكراد إيران قد تواصلت هي بدورها وعلى غرار ما بقي يجري في كردستان العراق. لقد شهد عام 1967 ثورة كردية بقيادة الزعيم الكردي الإيراني عبد الرحمن قاسملو الذي تم اغتياله لاحقاً في عام 1989 في فيينا بعد قيادته تمرداً جديداً في سنندج في كردستان الإيرانية في عام 1979. بعد الثورة الخمينية مباشرةً، تم قمعه بقسوة دموية مرعبة، حيث تم إعدام بعض الثوار الأكراد في كرمنشاه على أعمدة الكهرباء.
ثم وغير محاولة «مهاباد» هذه ومحاولات عبد الرحمن قاسملو في سنندج وكرمنشاه، فقد كانت هناك محاولات أخرى متواضعة وعابرة في هذا المجال، سابقة ولاحقة، من بينها تلك التي تمت في عام 1923 في عهد لينين في بداية صعود الدولة السوفياتية والتي انتهت في عام 1929 وكانت قد أُعطيت اسم جمهورية كردستان الحمراء وكانت تابعة عملياً لحكومة أذربيجان الشيوعية، هذا بالإضافة إلى المحاولة التي كانت قد جرت مؤخراً، أي في عام 1992، بقيادة وكيل مصطفاييف في ناغورنو قرباغ التي ضمّتها أرمينيا إليها فكانت هذه نهاية لتلك المحاولة الفاشلة التي لم تتبعها أي محاولة أخرى منذ ذلك الحين حتى الآن.
إنه لا شك في أن الأكراد، أكراد العراق وأكراد إيران تحديداً، بقوا يحاولون إقامة دولتهم الوطنية المستقلة كخطوة لإقامة الدولة الكردية القومية المنشودة، لكنّ كل محاولاتهم هذه قد باءت بالفشل لأن دول هذه المنطقة المعنية كلها بقيت تقاوم وترفض حقَّ تقرير المصير لـ«أكرادها» ولأكراد غيرها، والمعروف أن تركيا كانت ولا تزال الأكثر تشدداً في هذا المجال وإلى حدِّ أنها بقيت وإلى فترة لاحقة قريبة ترفض الاعتراف بوجود كُرْدٍ عندها وعلى اعتبار أن هؤلاء هم أتراك الجبال!
وهنا وللإنصاف فإن العراق وحده الذي كان قد اعترف ومبكراً بأن هناك شعباً كردياً عراقياً إنْ في الشمال العراقي وإنْ في بغداد نفسها، لكن ومع ذلك فإنه لا يزال هناك رفض لحق تقرير المصير للأكراد العراقيين، وهكذا فإن البديل المعترف به الآن هو الحكم الذاتي الذي يلامس مواصفات الدولة المستقلة. وعليه ومع أن هذه المنطقة، بعد كل هذه التمزقات التي شهدتها والتي لا تزال تشهدها، باتت بحاجة بالنسبة إلى بعض دولها لإعادة صياغة جديدة غير صياغة «سايكس – بيكو» التي حرمت الأكراد مما حصل عليه غيرهم، أتراكاً وعرباً وإيرانيين وآذاريين وأرمنيين، مما يتطلب في ظل كل هذه التحولات التي تشهدها هذه المنطقة، التساؤل: «الأكراد إلى أين… وما مصيرهم؟!».
إن تركيا، التي هي المعنيّ الأول بهذه المسألة نظراً إلى أن عدد «أكرادها» قد تجاوز ثلاثين مليوناً، قد حالت دون انضمام أكراد سوريا إلى مساعي حل الأزمة السورية، إنْ في جنيف وإنْ في سوتشي وأيضاً إنْ في «آستانة»، تحاشياً لنيلهم أي حقوق ديمقراطية في بلدهم سوريا، خوفاً من أن تنتقل العدوى بالنسبة إلى هذا الأمر إليها وبخاصة أنها لا تزال تعاني من بروز حزب العمال الكردستاني – التركي «P K K» الذي تعتبر حكومة رجب طيب إردوغان أن «حزب العمال الديمقراطي في سوريا» بقيادة صالح مسلم يشكل امتداداً له.
وهنا فإن الواضح أن رجب طيب إردوغان قد استطاع استقطاب أكراد تركيا بمعظمهم من خلال توجهه الإسلامي، وأنه تمكّن من استيعاب هؤلاء في تنظيم «الإخوان المسلمين» وفي توجهاته الإسلامية مما يعني أن حق تقرير المصير بالنسبة إلى هؤلاء الكرد لا يزال بعيد المنال، وبالتالي فإنه غير مستبعد أن يخسر الكرد كلهم هذا القرن كما خسروا القرن السابق، وهكذا وفي النهاية فإن مما يزيد على مصائب هذا الشعب الطيب مصيبة جديدة أنه قد وصلت إلى دراسة عنوانها «هل الأكراد يمنيون قدماء؟»، وهنا ويقيناً يجب ترك اليمنيين لهمومهم الشائكة الكثيرة وترك الكرد ليحفروا في الصوان ليحصلوا ولو على القليل من حقوقهم المشروعة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :