مزاج السوريين في مواقع التواصل.. لمَ الشتائم؟

  • 2019/03/31
  • 11:19 ص

شخص غاضب ينظر إلى الحاسوب (تعبيرية)

عنب بلدي – يامن مغربي

بجولة سريعة على الصفحات الإخبارية السورية في موقع “فيس بوك”، لا يكاد يمر خبر أو معلومة دون أن تجد شخصًا ما، سواء كان حسابًا وهميًا أم حقيقيًا يشتم إدارة الصفحة أو الشخص الذي يدور عنه الخبر، لمجرد اختلاف في الرأي أو لعدم محبته لهذا الشخص أو لأسباب ليست واضحة تمامًا.

تشمل الشتائم سياسيين معارضين وموالين، ومثقفين وكتابًا، وفنانين، حتى أصبح بعض مستخدمي الموقع يخشون التعبير عن آرائهم بسبب سيل الشتائم التي سيتعرضون لها، فيختارون الصمت وراحة البال.

ولا يقتصر الأمر على السوريين بطبيعة الحال، فالمجتمعات العربية، التي تتشابه أصلًا بظروفها الاقتصادية والسياسية الصعبة ومشاكلها الاجتماعية، تعاني من نفس المشكلة، وكثيرًا ما نجد شعوبًا تتبادل الشتائم والتهديدات الإلكترونية بسبب لاعب كرة قدم أو نجم مشهور، أو لسبب ما. شخص مجهول قام من وراء الشاشة بشتم شعب كامل.

تسيطر وسائل التواصل الاجتماعي على حياة الكثير من المواطنين، وما عادت مواقع مثل “فيس بوك” أو “تويتر” مجرد مواقع إلكترونية يتواصل الناس من خلالها، بل توسعت لتصبح على سبيل المثال مكانًا تجاريًا، ومنصة أخبار ومحطة ترفيهية، وأداة ضغط سياسي، ومنبرًا يفرّغ الناس فيه غضبهم، ومنصات تدعو الشعوب بعضها للثورة على النظام الحاكم.

مستخدمون منقسمون

في استطلاع للرأي أجرته صحيفة عنب بلدي عبر صفحتها في “فيس بوك”، قال 51% من المشاركين الذين بلغ عددهم نحو 500 مستخدم، إن الأخبار المزعجة هي التي تدفع الناس للسباب والشتائم، بينما رأى 49% أن الأمر لا يتعدى التفريغ عن الغضب بسبب ضغوطات الحياة اليومية التي تحاصر السوريين.

وقال جوزيف اليوسف، تعليقًا عبر “فيس بوك” على الاستطلاع ساخرًا، “والله ما بعرف شو قلكن.. بس هيك الواحد بيتسلى وقت ينشر سلبية.. يعني تخيل واحد يفوت ويكتب شغلات إيجابية ويقول أنا مسرور.. إي صدقًا ليصير مسخرة للأمة”.

وأرجع سوريون، التقتهم عنب بلدي في استطلاع رأي مصور، الأمر إلى سوء التربية في المنزل، فالمنزل هو الأساس بحسب تعبيرهم، سواء كانت الشتائم على العالم الافتراضي أو في الواقع.

وأشار شاب ممن شملهم الاستطلاع إلى “موضة” حديثة تسمى “شمطة” وهي تنتشر على مجموعات “فيس بوك”، ويقوم فيها بعض الأشخاص بشتم شخص واحد بشكل ممنهج لسبب ما، ربما يكون اختلافًا سياسيًا أو لأنه حاول الحديث أو التعرض لفتاة معينة، نافيًا أن يكون هذا الفعل ”رجولية”، بحسب تعبيره.

وفيما يتعلق برأيهم عن كيفية الخلاص من هذه الظاهرة، تشاءم البعض منهم معتبرين أن محاولة التخلص أو التقليل منها مستحيلة، وأشار آخرون إلى أن محاولة استيعاب هؤلاء الأشخاص، خاصة أن الكثير منهم مراهقون، والتعامل الحسن معهم ربما يغير شيئًا.

هل يعتبر هذا السلوك هربًا من المواجهة؟

الباحث الاجتماعي، محمود شخيص، قال لعنب بلدي إن لجوء الأشخاص إلى الشتم على وسائل التواصل يعود في بعض الأحيان إلى خوف الشخص من المواجهة بشكل عام، خاصة عند استخدامه لحسابات وهمية يشتم من خلالها عبر إخفاء شخصيته، إضافةً إلى اعتقاد الكثير من الناس أن مواقع التواصل الاجتماعي مكان للتنفيس عن مشاعرهم، عدا عن انتشار ظاهرة “الكارهون”، وهم مجموعة من الأشحاص الذين لا يعجبهم أي شيء على الإطلاق، وهم في تزايد.

وقال شخيص، “وجود شخصية مضطربه (سيكوباتيه) يتسم بها الشخص قد تكون أيضًا أحد الأمور المهمة التي تؤخذ بعين الاعتبار”، وأكد أن هذه الظاهرة عالمية ولا يتسم بها المجتمع السوري فقط.

وعن دور الحرب في سوريا بانتشار هذه الظاهرة، أوضح شخيص، “لا شك أن الحرب تلعب دورًا مهمًا في التأثير على السلوك الاجتماعي بشكل عام وفي طريقة التعبير عن المشاعر السلبية والانفعالات بشكل خاص، إذ يجد الكثير من الناس في وسائل التواصل الاجتماعي ملاذًا جيدًا للتعبير عما يجول في أذهانهم من مشاكل وهموم”.

يضاف إلى ذلك ما كونته الحرب من مفهوم خاطئ عن الحرية لدى الكثيرين، بحسب الباحث الاجتماعي، إذ يعتقد البعض أن الحرية هي مطلقه ودون حدود، وأن التعدي على الآخرين هو حرية شخصية، وهذا ما يدفعهم للتلفظ بكلمات مسيئه للطرف الآخر دون مراعاة مشاعره أو احترام شخصه.

وأشار إلى أنه لا بد من التأكيد على نشر ثقافة التواصل غير العنيف، وتقبل الطرف الآخر، واحترام آراء وأفكار الآخرين، وتجاهل كل ما يتعلق بالتعليقات السلبية وعدم الرد عليها، وتحاشي الدخول بنقاشات عقيمة لا فائدة منها.

قانون يعاقب على الشتم

صدر في سوريا قانون الجرائم الإلكترونية لأول مرة في عام 2012، بعد عامين من توقيع سوريا على اتفاقية محاربة الجرائم الإلكترونية في عام 2010، ولم يتم تفعيل القانون حتى العام الماضي 2018، حين صدر القانون رقم 9، المتعلق بإحداث محاكم جزئية مختصة بالجرائم الإلكترونية.

ويتضمن القانون مواد تتعلق بالنصب والاحتيال، واختراق الحياة الخاصة، والسب والشتم والقذف، إضافةً لما يتعلق بنشر الفيروسات المضرة، ويعاقب القانون الجناة عبر الغرامات المالية والحبس لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وخمسة أعوام بحسب الجريمة المرتكبة.

وأثار القانون جدلًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي ساعة صدوره، إذ اتهم ناشطون النظام السوري باستخدام القانون لملاحقة المعارضين والناشطين ممن ينتقدونه، وللتغطية على عمليات القمع المستمرة، بحسب تعبيرهم.

ما سياسة “فيس بوك”؟

يقوم موقع “فيس بوك” بإلغاء وإزالة أي شيء يختلف مع سياسة “مجتمع فيس بوك”، بعد أن يبلغ مشتركون آخرون عن إساءة ما تعرضوا لها من قبل أشخاص آخرين.

وتشمل الإساءة خطابات الكراهية والحض على العنف، وتقوم إدارة “فيس بوك” بعد التحقق بحظر المشتركين الذين تم الإبلاغ عنهم من التعليق على الصفحات.

كما تتيح “فيس بوك” لمديري الصفحات فلترة التعليقات بناء على كلمات مفتاحية يحددونها مسبقًا قد تستخدم في الشتائم.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع