لا إعمار في حلب.. ترميم على حساب التجار والسكان غائبون

  • 2019/03/31
  • 12:37 ص

عامل سوري يقطع الحجارة في أثناء ترميمه للمسجد الصهيبي الذي يعود إلى القرن الرابع عشر في مدينة حلب القديمة - 22 نيسان 2018 (AFP)

عنب بلدي – مرام الفيصل

مر عامان وثلاثة أشهر على خروج القسم الشرقي لمدينة حلب عن سيطرة قوات المعارضة، لكن إعادة الإعمار في حلب القديمة تمشي بخطى متثاقلة، رغم أن التصريحات الرسمية عن إعادة الإعمار والتأهيل تتزايد يومًا بعد يوم متصدرة منابر الوزارات والمؤسسات الحكومية.

لم تترك سنوات الحصار والقصف لأهالي أحياء حلب الشرقية سوى أكوام من الدمار في أسواق مدرجة كجزء من التراث العالمي منذ عام 1986.

وبين أول إعلان رسمي عن مشاريع إعادة الإعمار والمماطلة أو تزييف البدء فيها، تواصلت عنب بلدي مع عدة مصادر محلية في المدينة لمتابعة مشاريع إعادة إعمار المدينة القديمة وأسواقها.

وكان نائب محافظ حلب، حميد كينو، أعلن مطلع آب 2018، عن برنامج حكومي لإعادة إعمار المناطق الشرقية.

وقال في مؤتمر صحفي إن برنامج إعادة التأهيل يتضمن ثلاث مراحل: أولاها إعداد البنية التحتية، إذ لا يمكن للناس العيش من دون مياه وكهرباء، والثانية تقديم المساعدة اللازمة وتحديد احتياجات كل أسرة، والثالثة إعادة السكان إلى منازلهم والتأكيد لهم أن هذه المناطق باتت آمنة.

لا يوجد مشروع لترميم المدينة حتى الآن

المهندسة (ج، ر)، إحدى المشاركات في عمليات ترميم بعض المشاريع في المنطقة، تقول لعنب بلدي إنه لا يوجد حتى الآن أي مشروع حكومي واضح يشمل ترميم المدينة ككل، فالقسم الشرقي لا يزال بمعظم أحيائه مدمرًا بالكامل، كما كان عليه الحال عند سيطرة النظام والروس على المنطقة نهاية عام 2016.

وأوضحت المهندسة المعمارية أنه حتى الآن لم توكل الحكومة أو المؤسسات المعنية أي جهة لإحصاء بيانات المناطق المدمرة أو التي تم ترميمها بجهود فردية.

المشاريع التي يعرضها الإعلام الرسمي على أنها ترميم وإعادة إعمار لحلب القديمة هي في الغالب مشاريع ممولة من قطاعات خاصة أو مؤسسات تعنى بحفظ وحماية الآثار، كترميم الجامع الأموي وسوق السقطية الذي أوشك على الانتهاء، والذي كان ممولًا من مؤسسة “آغا خان” الدولية، والتي تعود لها العديد من المشاريع التي تعنى بقطّاع التنمية والثقافة والآثار منذ عام 1999.

كما يقع ترميم بعض المحلات داخل سوق المدينة القديم على كاهل أصحاب المحلات بأنفسهم، بمبادرات فردية.

ولا تزال مناطق كـ “السبع بحرات” مغلقة، ما عدا محلات متفرقة، قام أصحابها بإعادة ترميم ما يستطيعون بإمكانياتهم المتواضعة.

الترميم على حسابك الشخصي

التمويل الفردي أو الشخصي معلومة تكررت من أكثر من مصدر تواصلت معهم عنب بلدي، إذ قال أحد التجار المالكين لعدة محلات في سوق اعتاد أهالي حلب على تسميته “سوق ورا الجامع”، إن عمليات الترميم فردية من قبل تجار لا يتجاوز عددهم أصابع اليد.

وأوضح التاجر، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، “الحقيقة أن كل تاجر من هؤلاء توجه إلى الحكومة وحصل على رخصة ليرمم محله دون وجود قرار بإعادة فتح محله حتى إن انتهى من عملية الترميم.. هنا لا يوجد أمن والعصابات منتشرة وحتى السكان لم يعودوا إلى منازلهم ليذهبوا ويتبضعوا من المحلات”.

وأضاف، “هذه هي الحقيقة ببساطة.. خراب ومناطق مهدمة تخلو من ساكنيها وشوارع تعج بقطاع الطرق وعصابات الخطف والنهب عند كل زاوية وفي كل حارة، فعن أي حياة وترميم نتحدث؟”.

سوق الصاغة، واحد من بين الأسواق القديمة المتفّرعة من سوق المدينة القديم، يحوي في داخله محلات لصياغة الذهب. عائلة “البيك” هي إحدى العوائل التي تملك محلات داخل السوق أغلقت منذ بداية الحصار، ما دفعها إلى فتح محلات أخرى في منطقة “الفرقان” في القسم الغربي لحلب.

مصدر مقرب من العائلة أشار إلى عدم وجود رغبة في إعادة فتح محلاتها في المدينة القديمة حتى اللحظة، لأنّه لا توجد حركة أساسًا لا من قبل الباعة ولا الزبائن في المنطقة القديمة، وإن لم يتم ترميمها بالكامل فلن يتوجه أحد للاستثمار مجددًا فيها.

ماذا عن عودة السكان؟

بلغت أعداد المهجرين من شرقي المدينة إلى الريف الغربي 1052 عائلة بينما وصلت 5552 أخرى إلى الريف الشمالي، الأمر الذي وصفته منظمات دولية عدة بأنه “أكبر عملية تهجير قسري في سوريا”، معتمدة في وصفها على إحصائيات وزارة الدفاع الروسية.

وتواصلت عنب بلدي مع مواطنين كانوا مقيمين في هذه المناطق ويملكون بيوتًا في مناطق: القصيلة، هنانو، قسطل حرامي، وأكدوا خلو المنطقة القديمة حتى اليوم من أهلها. وتقول السيدة كوثر، وهي من سكان حي القصيلة، “كيف يعودون ولا يزال الخراب على حاله.. الدولة لم تسهم بترميم المنازل.. تأملنا كثيرًا في البداية وارتضينا ما كتب علينا من تشتيت وتهجير من بيوتنا، لكن كل الوعود التي تحدثوا عنها كانت كاذبة، لا نملك المال بعد كل ما صرفناه خلال رحلة خروجنا من حارتنا ومعالجة مصابينا، ألا نستحق أبسط حقوقنا على أقل تقدير. يجب عليهم أن يرمموا ما هدموه بصواريخهم وقذائفهم، وهذا أضعف الإيمان”.

إخلاء المزيد من السكان

واتخذت محافظة حلب قرارًا بإخلاء أكثر من أربعة آلاف عائلة تسكن في نحو عشرة آلاف بناء الكثير منها آيل للسقوط، بحسب ما قال محافظ حلب، حسين دياب.

ويتم الإخلاء مع تأمين سكن بديل لتلك الأسر ريثما ترمم منازلهم ويهدم ما يتعذر صيانتها بسبب خطورتها العالية، وفق ما نقلت صحيفة “الوطن” المحلية، عن المحافظ، في 4 من شباط 2019.

ورفع مجلس مدينة حلب كتابًا إلى وزير الإدارة المحلية، يتضمن تقييم الوضع الإنشائي والأضرار الذي قامت به الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية.

وشمل التقييم 36 حيًا من مدينة حلب، وقد بلغ مجموع الأبنية غير المتضررة 33633 بناءً طابقيًا، بينما بلغ مجموع الأبنية المصابة بضرر معماري خفيف نحو 10176 بناءً، أما الأبنية المتضررة ضررًا إنشائيًا خفيفًا فبلغ مجموعها 8031 بناءً طابقيًا، وفق صحيفة “تشرين” الحكومية.

157 سوقًا مدمرًا دون ناجٍ

أجرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) دراسة قدّرت فيها نسبة الدمار الذي أصاب أسواق حلب القديمة، مستعينة بصور أقمار صناعية التقطتها واعتمدت عليها في بعض النواحي في كانون الثاني من عام 2017، إذ قدّرت نسبة الدمار الحاصل على مواقع الأسواق القديمة البالغ عددها 157 موقعًا، على النحو التالي:

31 موقعًا دمرت بالكامل، وتعرض 43 موقعًا في الأسواق القديمة لأضرار عديدة، في حين كانت الأضرار وسطية لنحو 82 موقعًا.

وأشارت المنظمة إلى عدم وجود أي موقع تمكن من النجاة تمامًا من الضرر والدمار.

وبعدما أدرجت الأمم المتحدة أسواق حلب تحت قائمة المواقع المهدّدة بالخطر عام 2013، أرسلت المنظمة بعثة أممية لتقدير نسبة الضرر الذي طال المواقع المدرجة على لائحة التراث العالمي، ورصدت أضرارًا بالغة في المسجد الأموي الكبير وقلعة حلب وعدة مبان تاريخية، وبلغت نسبة الخسائر الجسيمة التي تعرضت لها أحياء حلب القديمة نحو 60% في حين دمر منها نحو 30% تدميرًا كاملًا.

كما قدّرت المنظمة المبلغ المقدر لإعادة إعمار حلب القديمة بقيمة 52 مليار دولار أمريكي من إجمالي المبلغ المقدر من الأمم المتحدة لإعادة إعمار سوريا والذي يقارب 400 مليار.

وكانت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الإسكوا)، قالت، في تقرير صادر عام 2015 تحت عنوان “تكلفة النزاع في سوريا”، إن ما يقارب المليون ونصف المليون منزل مدمّر بالكامل في مجمل أرجاء سوريا إضافة إلى دمار البنى التحتية في تلك المناطق كالمياه والكهرباء والصرف الصحي بشكل كامل.

كما قدرت من تركتهم تحت تأثير مباشر من هذا الدمار بما يزيد على سبعة ملايين سوري، مضيفةً أن مدينة حلب تصدرت المدن السورية في الدمار.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع