انطلق الطالب الجامعي الشاب أرنستو جيفارا (23 عامًا) مع صديقه ألبيرتو غرانادو (29 عامًا) في مغامرة لاكتشاف القارة الأمريكية الجنوبية على ظهر دراجة نارية سُميت عبثًا “الجبارة”.
غادرا الأرجنتين في كانون الثاني من عام 1952، وخلال تسعة أشهر، عبرا من التشيلي والبيرو والأكوادور وكولومبيا وفنزويلا وباناما وميامي وفلوريدا قبل العودة إلى بيونس آيرس.
ابتدأ جيفارا مذكراته بعبارة “أترككم مع الرجل الذي كنت”، معلنًا عظم الأثر الذي خلفته تلك الرحلة وتجاربها في شخصيته، وتحدث فيها عن ما شهده من الفقر والجهل وسوء الخدمات التي سادت في قارته.
الشاب الواعي المدرك لهموم أبناء شعبه، ليس ذات الفتى المغامر الذي أطلق العنان للدراجة كثيرة الأعطال مقتحمًا غبار الطريق الطويل.
اختبر جيفارا المرض والتعب والجوع وتعرض لحوادث عديدة خلال رحلته، إلا أنه وصف أحاسيسه ببالغ الشاعرية حينما كتب “مصيري هو الترحال، العودة للوطن قد تكون وقفة قصيرة في غمرة تنقلي من فهم للعالم إلى آخر”.
أسهب في وصف الكرم الذي تلقاه من أهل المدن والقرى التي زارها، وأفرد مساحة لنقل جمال المناظر الطبيعية الخلابة التي حركت مرارًا مشاعره وأحسن التعبير عنها بالقول “طعنت رعشة الطبيعة قلوبنا”.
وكان لمشروب “المتة” حضور قوي في صفحات الكتاب، إذ كان موجودًا لحظة ورود خاطر الترحال، وكان المؤونة الضرورية خلاله، وأشار جيفارا مرات عدة إلى جهل الهنود الحمر به، كما نقل استهزاء بعض الشاربين بهما لإضافتهما السكر للمتة معتبرين أن حلاوتها “للفتيات” أما مرارها فهو شراب الرجال.
ملأت سيرة جيفارا الدنيا كشهيد ثورة الشعب النبيلة، إذ تميز الطبيب ابن الأسرة المتوسطة بتفانيه في السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية ولمحاربة الإمبريالية الرأسمالية حول العالم.
حارب في كوبا والكونغو وبوليفيا، مبرهنًا على نظرته الإنسانية العالمية وثوريته الصادقة، شغل مناصب حكومية عدة في ظل حكومة فيديل كاسترو، وكان قائدًا عسكريًا ودبلوماسيًا ووزيرًا.
تمكنت القوات البوليفية من القبض عليه وإعدامه في 9 من تشرين الأول عام 1967، وكان بعمر 39 عامًا.
عام 1993 نشرت ابنته أليدا هذا الكتاب، وقالت إن والدها لم يكن ينوي نشره.
حققت قصته، التي اعتبرت من أفضل الحكايات المتعلقة باكتشاف الذات، نجاحًا كبيرًا واحتلت رأس قوائم الكتب الأفضل مبيعًا في الولايات المتحدة، منبع الإمبريالية العالمية بنظر جيفارا.