عنب بلدي- فريق التحقيقات
ضياء عودة | محمد حمص | مراد عبد الجليل | حباء شحادة
في ذات الوقت الذي خط فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بقلمه قرار الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، كان يمزق على الجانب الآخر أوراق القانون الدولي، رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية جزء منه وأحد الأطراف الأساسية التي شاركت بوضعه، والذي يضم القواعد القانونية التي تنظم العلاقة بين الدول أو بين الدولة والأشخاص باعتبارها شخصية ذات سيادة.
هزّ سياسة بلاده عبر “تويتر” بتغريدة الاعتراف، وعقب ذلك التقى مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتيناهو، وتبادلا التهاني بقرار السيادة على أرض محتلة، الذي لم يلقَ أي اعتراف من دول العالم، التي رفضت جميعها القرار المفاجئ، واعتبرته غير قانوني استنادًا للقانون الدولي.
توقيت القرار الذي جاء به ترامب تزامن مع قرب الانتخابات الإسرائيلية، والتي يسعى فيها بنيامين نتنياهو جاهدًا إلى حشد عدد كبير من الأصوات لصالحه، الأمر الذي يضع في رصيده “هدية” كبيرة، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من بدء الانتخابات.
لكن النقطة الأساسية التي تحتاج إلى مناقشة أوسع هي أثر قرار الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان مستقبلًا، خاصةً أنه أحادي الجانب، بعيد عن القواعد التي وضعتها الدول، والتي يبدو أن ترامب لا يوليها أي اهتمام، وهو ما أكدته إجراءاته السابقة، بينها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بمعنى أن ترامب هزّ من خلال قراره بنية النظام الدولي، الذي يعاني من التآكل على خلفية قرارات مشابهة، وغدا المشهد الدولي ساحة لاستعراض نقاط قوة كل دولة في عدة قضايا دولية شائكة.
ترامب يمزّق أوراق القانون الدولي
بموجب القانون الدولي، احتلال إسرائيل لهضبة الجولان غير قانوني، ومن المهم تذكر ثلاثة قرارات حاسمة أصدرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الأول 242 في العام 1967، والثاني 338 في العام 1973، والثالث 497 في العام 1980.
في الفقرة الأولى، يدعو قرار مجلس الأمن 242 بوضوح إلى “انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية” من الأراضي المحتلة في “حرب حزيران” (حرب الأيام الستة)، بمعنى شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان.
ويدعو قرار مجلس الأمن رقم 338، الذي تم إقراره خلال حرب تشرين/اكتوبر (يوم الغفران) جميع الأطراف المعنية إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 “بجميع أجزائه”.
لكن قرار مجلس الأمن رقم 497 يمضي إلى أبعد من ذلك، ويبرز بشكل صريح عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي، ويقول “إن قرار إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ولاغٍ وبدون أي أثر قانوني دولي”.
وفي آخر المواقف الدولية الرافضة لقرار الاعتراف الأخير، لم تجد الولايات المتحدة الأمريكية في جلسة مجلس الأمن، الأربعاء 27 من آذار 2019، من يساندها بخصوصه، والذي لاقى رفضًا كاملًا واعتبرته دول بارزة من بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا غير قانوني.
وعبّرت الدول الأوروبية الأعضاء في المجلس، وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وبولندا، عن مخاوفها من حدوث “عواقب أوسع نطاقًا جراء الاعتراف بالضم غير القانوني وكذلك من التداعيات الإقليمية الأوسع”.
قرار سياسي غير قانوني
ردود الفعل الدولية نددت بمجملها بقرار الاعتراف الأمريكي بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، وكان تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش” أبرزها، إذ قالت إن قرار إدارة ترامب إنكار الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان يظهر تجاهلًا للحماية التي يتمتع بها السكان السوريون بموجب القانون الدولي الإنساني.
وقال إريك غولدستين، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة، “يبدو أن الرئيس ترامب يستعد لتدمير القانون الدولي الذي يحمي سكان الجولان المحتل”، مضيفًا، “إذا تابع ترامب ذلك، قد يشجّع دولًا أخرى محتلة على صعيد ضمّ الأراضي وإنشاء المستوطنات ونهب الموارد”.
عنب بلدي تحدثت مع مدير “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، إبراهيم العلبي، للوقوف على أثر قرار ترامب على الصعيد المحلي والدولي ككل، والأبعاد الخاصة به، خاصةً مع وجود رفض كامل من جميع الدول العربية والأجنبية، فضلًا عن قرارات مجلس الأمن المذكورة سابقًا.
كنقطة أولى يقول العلبي إنه عند الحديث عن قرارت مجلس الأمن أو قرارات دولية، فعادة الولايات المتحدة الأمريكية هي جزء من هذه القرارات، بينها قرار رفض سيادة إسرائيل على الجولان السوري.
ويضيف العلبي أن هذه القرارات هي التي تصنع القانون الدولي، الذي يعتبر صنيع الدول، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية تحاول نقل القرار الأمريكي بشأن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان إلى المحافل الدولية، الأمر الذي قد يؤثر على القانون الدولي بشكل عام حول قضية الجولان المحتل.
ويعتبر القانوني السوري أن اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان عبارة عن عملية “جس نبض” لمعرفة مواقف الدول الأخرى، لأن أمريكا تحتاج إلى حلفاء دوليين لكي تغيّر القانون الدولي في حال كان ذلك هدفها، ومن بين الدول بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، التي وقفت بدورها ضد القرار واعتبرته غير قانوني.
ومنذ وصول ترامب إلى الرئاسة الأمريكية أصدر عدة قرارات وسار في خطوات خرقت بمجملها القانون الدولي، ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ شكّلت الأمور التي مضى بها كسرًا لثوابت السياسة الأمريكية بشكل كامل، بينها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وهو خرق واضح لأكثر من 16 قرارًا صادرًا من مجلس الأمن، أبرزها قرار مجلس الأمن رقم 476 و478 لعام 1980.
ومن خلال التمعن بالسياسية الخاصة بترامب بعد وصوله إلى كرسي الرئاسة يتضح الأمر بأنه يؤسس لتغيير أساسي في شكل النظام الدولي، ويحاول القفز على جميع القواعد المنصوص عليها في القانون الدولي.
فيما يخص قرار الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، يرى العلبي أن المشكلة الأكبر التي يشكلها هي على الصعيد المحلي، في حال تمت قوننة القرار محليًا بأمريكا، فالبعد الخاص به هو بعد اقتصادي، إذ توجد العديد من الشركات لا يمكن أن تعمل في الجولان كونها منطقة محتلة.
لكن الشركات الأمريكية التي لا تضع في حسبانها القانون الدولي يمكن أن تجد ذريعة للعمل في هذه المنطقة (الجولان)، كون قرار الاعتراف يؤكد سيادة إسرائيل على الجولان بشكل كامل، بحسب العلبي.
ويرى أن الخطوات التي يقوم بها الرئيس الأمريكي “خطرة”، فمن الواضح أنه غير مهتم بالقانون الدولي بشكل كامل، رغم أنه جزء منه ومن صناعة القرار، مشيرًا إلى أن “أمريكا تسبب زعزعة دولية من خلال الخطوات التي تقوم بها، آخرها قرار الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان”.
ويتوافق حديث العلبي مع الخبير في القانون الدولي وحقوق الإنسان، بسام طبلية، الذي يرى أن قرار ترامب عبارة عن قرار سياسي يضرب بعرض الحائط قرارات مجلس الأمن، ويهدي من خلاله قطعة من الأراضي السورية إلى دولة محتلة.
ويقول طبلية في حديث لعنب بلدي إن خطوة ترامب مخالفة للقانون الدولي، وبالتالي لا يمكن الاعتداد بها، إذ إنها تعطي الصلاحية للدولة القوية أن تأخذ حقها بالقوة وهذا لا يمكن العمل به إلا في “شريعة الغاب”.
ما قوة القرار
هل يمكن أن يلغى قرار الاعتراف في حال نهاية ولاية ترامب؟ سؤال ناقشته عنب بلدي مع الخبير القانوني إبراهيم العلبي، الذي أوضح أن القرار من الممكن إلغاؤه بعد انتهاء ولاية ترامب، وطرح مثالًا القرارات التي ألغاها ترامب بعد وصوله إلى كرسي الرئاسة، لسلفه باراك أوباما، والمراسيم التشريعية التي أصدرها من أجل ذلك.
وكان ترامب وقع أمرًا تنفيذيًا بالانسحاب من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، والتي كانت محور سياسة الرئيس السابق باراك أوباما، كما انسحب من الاتفاق الشامل لتسوية قضية البرنامج النووي الإيراني، الذي تم التوصل إليه عبر مفاوضات مضنية انتهت أيار 2015.
وبالتالي فإن قرار الرئيس الأمريكي هو إعلان رئاسي وليس قانونًا صادرًا من الكونغرس الأمريكي، وفي حال وصول أي رئيس أمريكي بعد ترامب من شأنه إلغاء ما أصدره بشكل كامل.
ويمكن مقاربة ما سبق مع وضع حكومة الباراغواي الأخير بشأن القدس، إذ إنه وبعد ثلاثة أشهر ونصف من تدشين رئيس الباراغواي السابق هوارسيو كارتيس سفارة بلاده في القدس، عدل خلفه المنحدر من أصل لبناني، ماريو عبده بنيتيز، عن الخطوة، وأعلن إعادة السفارة إلى تل أبيب، علمًا أنه كان رئيسًا منتخبًا حينها (21 من أيار 2018) وأعرب عن معارضته للعملية.
ثروات تغري إسرائيل في الجولان
“الزراعة مصدر دخل لا يجب التخلي عنه”، ربما يعكس هذا التصريح الذي قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته إلى مرتفعات الجولان، في 8 من تشرين الأول 2018، أهمية المرتفعان لإسرائيل، فهي تتمتع ببيئة زراعية خصبة وخزان مياه استراتيجي.
وقال نتنياهو، إن “تطوير وتعزيز السياحة في الجولان هو مصدر جذب رئيسي للسياح من إسرائيل وخارجها، وتقوية وتنمية خدمات الصحة في الجولان، وتقديم خطط واستثمار”، معلنًا بأن “الجولان سيزدهر وينجح”.
وتمتلك مرتفعات الجولان ثروات تجعلها استراتيجية بالنسبة لإسرائيل، وقد عملت الحكومة الإسرائيلية خلال السنوات الماضية على التوسع الزراعي في المرتفعات وقدمت تسهيلات لذلك للمستوطنين في الجولان، إذ وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي في 2014 على اقتراح تطوير 30 ألف دونم من الأراضي الزراعية في المنطقة للاستخدام الزراعي، وتتضمن الخطة إنشاء 750 مدينة زراعية باستثمار قدره 108 ملايين دولار.
وتبلغ مساحة الجولان مليونًا ومئة وستين ألف دونم (1160كم2) ويتوزع استغلالها الحالي كما يلي:
470 ألف دونم للمراعي، حيث يمتلك المستوطنون ما يقارب 15 ألف رأس بقر وخمسة آلاف رأس غنم، و100 ألف دونم للمحميات الطبيعية، و100 ألف دونم مخصصة لفعاليات الجيش الإسرائيلي، 84.5 ألف دونم كأراض زراعية للمستوطنين، بحسب دراسة “الـجولان والمـياه.. دراسة حول العلاقة بين الاحتلال ومصادر المياه” الصادرة في 2009.
وتشتهر الجولان بزراعة مجمل الأصناف، وبحسب دراسة صادرة عن مركز “Who Profits”، هو مركز أبحاث مستقل في 2014، فإن الصادرات من الجولان تتألف في المقام الأول من العنب والتفاح والبطيخ والحمضيات والطماطم والذرة والبصل والزيتون والفاصولياء والبقدونس والثوم والفلفل والأعشاب، كما يتم إنتاج حاجة إسرائيل من الكيوي من الجولان.
وبلغت إيرادات إسرائيل من الزراعة المنتجة في الجولان حوالي 143 مليون دولار أمريكي، ما يقرب من 40% من لحم البقر، 30% من التفاح، 32% من البطاطا، 23% من الذرة، 50% من الكرز، كما يتم إنتاج 41% من الصوف و28% من البيض و6% من الحليب في السوق الإسرائيلية في الجولان.
وتوجهت إسرائيل خلال السنوات الماضية إلى الاهتمام بزراعة العنب في الجولان لصناعة النبيذ وتصديره، إذ تصدر تل أبيب النبيذ بقيمة 22 مليون دولار أمريكي سنويًا، 38% منه منشؤه الجولان.
كما تتمتع الجولان بمناخ طبيعي ومناظر تجذب السائحين، إلى جانب السياحة العلاجية، في ظل وجود حمامات معدنية تحت اسم “حمامات الحمة”، إضافةً إلى تنفيذ تل أبيب مشاريع محطات توليد الطاقة الشمسية في المنطقة.
وإلى جانب ذلك تشغل المياه في الجولان حيزًا كبيرًا من اهتمام إسرائيل ومسؤوليها، إذ تمتاز الجولان بغزارة أمطارها، ويوجد في الجولان 12 خزان مياه جوفية تتجمع فيها مياه الأمطار، بحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، في حين تعتبر بحيرة طبريا مصدر المياه العذب الأول لتل أبيب وتوفر المنطقة ثلث إمدادات المياه الإسرائيلية.
وفي تشرين الثاني 2015، نشرت مجلة الإيكونوميست الأمريكية مقالًا بعنوان “ذهب أسود تحت الجولان”، تحدثت فيها عن أنشطة تنقيب تقوم بها شركات إسرائيلية وأمريكية في المنطقة، وقال يوفال بارتوف، الجيولوجي الرئيسي لشركة جيني أويل الأمريكية، إن شركته تعتقد أنها عثرت على خزان نفط “يحتمل أن يكون بمليارات البراميل”.
أما الأهمية الأمنية فتعتبر المرتفعات بالنسبة لإسرائيل موقعًا ممتازًا لمراقبة التحركات السورية، وتوفر التضاريس عازلًا طبيعيًا ضد أي قوة دفع عسكرية من سوريا.
وفي تصريحات سابقة للسيناتور الأمريكي، ليندسي غراهام، قال إن “التخلي عن هذه الأرض (الجولان) سيكون كابوسًا استراتيجيًا لدولة إسرائيل”، إذ توفر “منصة استراتيجية لمراقبة جنوبي سوريا، وصولًا إلى دمشق وما وراءها”.
وبحسب ما ترجمت عنب بلدي عن موقع “theconversation“، فإن مرتفعات الجولان تزود إسرائيل بنقاط مراقبة في عمق سوريا عبر أبراج مراقبة أقامتها تل أبيب في الجولان.
جولانيون وليسوا نازحين
رغم تهجير قرى بأكملها من الجولان، ما زالت روابط التراب الواحد تجمع الكثير من السوريين، على اختلاف القومية أو الديانة من التركيبة الاجتماعية السورية، بينما تباينت بين الرعيل الأول وأبنائهم، اليوم، الذين لا يعرفون سوى قصص وروايات عن أراضيهم المحتلة.
البداية كانت منذ النزوح عام 1967 عندما توجه الآلاف من أهالي المنطقة إلى شتى المحافظات السورية، ومعظمهم اتخذ دمشق وريفها مكانًا لهم.
بقي في الجولان خمس قرى، وهي مجدل شمس وفيها النسبة الأكبر من السكان، وبقعاثا، ومسعدة، وعين قنية، وقرية الغجر.
أربع من القرى الباقية ينتمي أهلها إلى طائفة الموحدين الدروز، بينما ينتمي أهالي القرية الخامسة إلى “الغجر”، إلى جانب عائلتين مسيحيتين فقط.
لكن الجولان قبل الاحتلال كان يضم عدة قوميات، من ضمنهم الشركس والعرب والتركمان إلا أن معظمهم هاجروا في الحرب، لا سيما مركز المحافظة، القنيطرة، التي تمثلت بالأغلبية المسلمة، والتي هجرت جميعها إلى الداخل السوري.
لا يعرف معظم الشباب من أهالي المنطقة المهجرين قراهم وبلداتهم، وهذا ما قاله محمد لعنب بلدي، وهو طالب جامعي من الجولان، مشيرًا إلى نزوح والده سنة 1967 عندما كان صغيرًا واستقراره في دمشق.
ينتمي محمد (25 عامًا) إلى الطرف المحتل من الجولان، ورفض إطلاق مسمى “النازحين” على أهالي المنطقة وفضل تسميتهم بالجولانيين.
وحول التواصل بين أهالي المنطقة المهجرين، قال محمد إنه كان قديمًا عبر مكبرات الصوت، ولكن اليوم، اختلفت طرق التواصل وباتت أبسط عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
حاله كحال العشرات من الشباب لا يعرف محمد بلدته ولكنه يشعر بالحنين لها، ويستقي ذكريات بلده التي لم يراها عن طريق موقع اسمه جولاني، بحسب تعبيره.
وفي حديثه لعنب بلدي قال رفعت عماشة، وهو واحد من أبناء الجولان والساكنين بالقسم المحتل منها، إن أغلب العلاقات بين الأهالي والمهجرين تكون عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عن طريق اللقاءات في الأردن، مشيرًا إلى أن هذا الموضوع “شاسع ومتشعب”.
وأضاف عماشة أنه ومنذ الاحتلال حتى اليوم ولدت أجيال تحت الاحتلال، لكن العلاقات الاجتماعية داخل الأراضي المحتلة هي نسخة “طبق الأصل” عن جميع الشرائح السورية داخل سوريا.
استمر التواصل بين الأهالي داخل المناطق المحتلة وخارجها عن طريق رجال الدين، الذين يدخلون القطر والطلاب الذين يدرسون بجامعة دمشق. هذه الطرق جعلت التواصل مستمرًا وجددت العلاقات القديمة.
التكوين الاجتماعي في الجولان هو جزء من المجتمع السوري، ويعكس صورة مشابهة لداخل الحدود السورية، كالتي نتجت بسبب الحرب والخلافات التي زرعها النظام داخل سوريا، بحسب قول عماشة، مشيرًا إلى أن تلك الخلافات هي ذاتها الموجودة في الجولان ولكنها تتفاوت من قرية إلى قرية ومن بلدة إلى بلدة.
محاولات تجنيس مستمرة
تعمل إسرائيل بشكل مستمر ومن منطلق “الديمقراطية القائمة على حرية الاختيار” على فتح ملف تجنيس السوريين في الجولان المحتل، الملف الذي أغلق بوجهها مرارًا على الصعيدين الداخلي وفي مجلس الأمن الدولي.
حاولت إسرائيل استغلال الأحداث والتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها سوريا، لتخاطب عقول السوريين، بأن بقاءهم في ظل الحكومة الإسرائيلية أفضل من بقائهم تحت ظل حكومة “تستجدي السيادة الوطنية”، فقررت وزارة الداخلية الإسرائيلية إجراء انتخابات محلية في قرى الجولان المحتلة، في تشرين الأول من العام الماضي.
استغلال الموقف الحالي اصطدم، كما العادة، بعدم رغبة الأهالي بالقبول بالجنسية الإسرائيلية.
وقال رفعت عماشة إن موضوع الجنسيات ليس جديدًا، بل هو متجدد، فعدد سكان الجولان اليوم نحو 25 ألف نسمة، “نسبة قليلة منهم لديهم جنسيات الاحتلال”.
وأضاف عماشة أن قرار ترامب ليس مفاجئًا، فهو معلن بشكل غير رسمي منذ الثمانينيات، مشيرًا إلى أن القرار لا يؤثر بالموقف العام للأهالي.
شهدت المنطقة أول إضراب لها عام 1982، عندما أضرب الأهالي بسبب طرح موضوع الجنسية الإسرائيلية، ويعتبر الإضراب الأطول من نوعه، والذي أدى بدوره إلى سجن نحو ربع شباب المنطقة، وفق عماشة.
الرأي العام في الجولان المحتل خرج ببيان تحت اسم “بيان جماهير الجولان” حول من تسلم الجنسية الإسرائيلية، يفرض عليه مقاطعة تامة، ولا يشارك أحد بأفراحه ولا بأحزانه، ويقاطع دينيًا، واجتماعيًا، وسياسيًا، وعندما يموت لا يصلى عليه. كما يمنع حامل الجنسية من الوجود بين الناس، وفق عماشة، مشيرًا إلى تهاون بالموضوع لوحظ مؤخرًا، لكن قرار “الجماهير” بدأ يتصاعد مجددًا.
وارتفع عدد حاملي الجنسية الإسرائيلية بشكل نسبي بعد ارتفاع نسبة الورثة وتبادل الزيجات مع مناطق الجليل والكرمل، بالإضافة لتوجه بعض الأهالي من المنطقتين الأخيرتين إلى السكن داخل الجولان.
وقال عماشة إن عدد المجنسين داخل بلدة بقعاثا، التي ينحدر منها، بلغ نحو 513 مجنسًا، بينما بلغ في مجدل شمس أكثر من 900، ونفس النسب تتراوح في باقي القرى، لكن العدد الأكبر هو للعائلات الوافدة من المناطق الفلسطينية المحتلة سنة 1948.
ووفق عماشة فإن الأهالي يعتبرون طلب الجنسية الإسرائيلية “وصمة عار” تستحق التشديد و”الملامة”.
تضييق أمني بعد الاحتلال.. تغير في السيطرة
عقب السيطرة على الجولان ونشر قوات أممية على الخط الفاصل بين سوريا وإسرائيل، لجأ النظام السوري إلى تضييق الخناق على الداخلين والخارجين إلى حدود المنطقة “المحررة” حديثًا، التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية، وفرضت موافقة أمنية على الراغبين بالدخول إليها، سواء كانوا من أهل المنطقة أو من خارجها.
وشهدت المنطقة خلال السنوات الأخيرة، منذ 2011، تغيير قوى السيطرة على الأرض بالقرب من الحدود الجولانية وانتقالها من قوات الأسد إلى المعارضة، ومن ثم عودتها لقوات الأسد من خلال اتفاق تسوية مع المعارضة بوساطة روسية- إسرائيلية.
في حديثه لعنب بلدي، قال محمود المحمد، وهو من أهالي محافظة القنيطرة النازحين عنها، إنه عقب نزوح الأهالي حاول الكثيرون العودة إلى الأراضي التي لم تحتلها إسرائيل، ولكنهم كانوا يواجهون التدقيق الأمني الذي يفرضه النظام خوفًا من تنفيذ عمليات ضد إسرائيل في الأراضي المحتلة، مشيرًا إلى عمليات اعتقال تمت بحق شبان من منطقة السيدة زينب بسبب شكوك حول نيتهم القيام بعملية أمنية في المناطق السورية المحتلة.
وأضاف المحمد، الذي نزح عن محافظة القنيطرة عندما كان صغيرًا، أن قوات الأسد اعتقلت راعي أغنام، لأن إسرائيل كانت تحتجزه بعد اقترابه من السياج الحدودي، وبقي معتقلًا لدى قوات الأسد نحو تسعة أشهر، بحسب تعبيره.
وفرضت قوات الأسد على السوريين من غير أهالي القنيطرة موافقة أمنية للدخول إليها، ولكنها ألغت الموافقة الأمنية المطلوبة من أبناء المدينة بعد تمييز أوراقهم الشخصية عن طريق الأرقام الوطنية المسجلة عليها، بحسب المحمد.
وأشار محمد، وهو طالب جامعي من المناطق المحتلة داخل الجولان، إلى أنه قبل الحرب السورية لم تكن هناك عوائق بدخول وخروج الجولانيين من وإلى المنطقة، وأن عددًا من الشباب كانوا يدرسون بجامعة دمشق، لكن مع بداية الصراع في سوريا تبدل الحال وأصبح الطريق المؤدي إلى الجولان غير آمن.
أواخر العام 2011 كان هناك اتفاق بين فرع سعسع والأهالي في المنطقة حول العناصر المنشقة من أبنائها، يقضي ببقائهم في بلدة جباتا الخشب، التي لا تدخلها قوات الأسد، بموجب اتفاق عام 1974، شرط ألا يقوموا بعمليات عسكرية داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام.
وفي 28 من شباط 2012 اقتحمت قوات الأسد بلدة جباتا الخشب لاعتقال المنشقين من المنطقة، الأمر الذي أدى إلى اشتباكات بين “الجيش الحر” وقوات الأسد، قتل إثرها خمسة مدنيين وأربعة من المنشقين وعناصر من النظام، وفق ما صرح مصدر صحفي لعنب بلدي من محافظة القنيطرة.
وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية، إن تلك المداهمات كانت شرارة انتشار “الجيش الحر” بالمنطقة بشكل علني، وانطلاق المقاتلين هناك بعمليات ضد قوات الأسد بعكس ما اتفق عليه سابقًا بين فرع سعسع التابع للأمن العسكري وأهالي بلدة جباتا الخشب.
لم يشن النظام السوري وقواته أي عمليات عسكرية باتجاه المنطقة حتى صيف عام 2018، وسيطر على معظم المناطق القريبة من القنيطرة والتابعة لها دون قتال بعد اتفاقين منفصلين وقعهما مع فصائل المعارضة.
الاتفاق الأول كان، بعد انهيار درعا، عقب معارك مسحرة بالقنيطرة، إذ جرت المفاوضات بشقين منفصلين، الأول بين النظام السوري وفصائل تابعة لـ “الجبهة الجنوبية” برعاية إسرائيلية، ويقضي ببقاء الفصائل المقاتلة التابعة لـ”الجبهة” وإقامة ما يشبه الحكم الذاتي للمنطقة.
أما الشق الثاني من المفاوضات فكان يجري بين الفصائل الإسلامية المتمثلة بـ “لواء الفرقان” و”جبهة النصرة” و”حركة أحرار الشام” من طرف، وروسيا من طرف آخر. انسحبت الفصائل إلى الشمال بموجب الاتفاق، وفق ذات المصدر.
وعقب خروج الفصائل من المنطقة بدأ “حزب الله” اللبناني بضم عدد من المقاتلين الذين قاتلوا بشكل مباشر وبقوا في المنطقة كـ “خلايا نائمة” بحسب المصدر، مشيرًا إلى أن المنطقة القريبة من السياج مع إسرائيل بأكملها تحت سيطرة “الحزب” بشكل غير مباشر.
التركيبة السكانية للجولان
يعود تاريخ الجولان إلى بداية تشكل الحضارات في سوريا، إذ إن خصوبة أرضها جعلت منها موقعًا مرغوبًا منذ القدم. سجلها الذي لم يخلُ من النزاعات عبر العصور، أحالها الآن إلى الصراع ما بين إسرائيل وأهلها السوريين.
وفي حين يدّعي الإسرائيليون في أرشيفهم أحقيتهم بأرض الجولان، مع استشهادهم بالتوراة ونصوص العهد القديم، تذكر وكالة الاستخبارات الأمريكية في تقرير لها حول المنطقة، من 31 من كانون الأول 1981، أن “مرتفعات الجولان لم تكن أبدًا جزءًا من الدولة اليهودية”، ولم تضم يهودًا لما يزيد على ثلاثة آلاف عام.
سكانها الأصليون هم من العرب المنتمين لقبائل مهاجرة من اليمن، مثل قبيلة غسان والأزد، قدموا من شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام بقرون، وفقًا للباحثة أسماء شهوان في دراسة لها تحت عنوان “الاستيطان الصهيوني في هضبة الجولان السورية”.
شكل العرب نسبة 85% من السكان عام 1966، وجاورهم الشركس والتركمان، ومع اتباع معظمهم للإسلام والمذهب السني، إلا أن المنطقة تضمنت أقليات من الدروز والعلويين والمسيحيين.
وقد اختلفت الإحصائيات المقدرة للأعداد الدقيقة لسكان المنطقة، فهي ما بين 130 إلى ما يزيد على 140 ألفًا، وضمت حوالي 13 ألفًا من اللاجئين الفلسطينيين.
غادر معظمهم بعد حرب 1967، وطردت إسرائيل أغلب من تبقى منهم، ومحت غالبية القرى السورية، حسبما ذكرت وكالة الاستخبارات الأمريكية.
لم يتبق فيها سوى ست قرى، هي مجدل شمس وبقعاتا وعين قينيه ومسعدة وسحيتا، والتي تضم سكانًا من الطائفة الدرزية، وقرية الغجر، التي تضم سكانًا علويين، ووفق إحصاء أجري عام 1967 بلغ تعداد أهلها 6400 شخص.
وتضم اليوم 33 مستوطنة إسرائيلية يقطنها 20 ألف يهودي، مع وجود حوالي 20 ألفًا من السوريين. وأعلن عمدة إحدى المستوطنات عن خطط لزيادة أعداد المستوطنين اليهود في المنطقة عقب الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية، إذ قال ديمي أبارتسيف، 26 من آذار 2019 لوكالة “سبوتنيك”، إن إسرائيل تنوي رفع عدد السكان اليهود خلال 10-15 سنة المقبلة إلى 150 ألفًا ليكونوا هم الأغلبية.
محطات تاريخية