عنب بلدي – حباء شحادة
احتل الإيزيديون عناوين الأخبار العالمية خلال السنوات الماضية، منذ أن اجتاحت قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” قراهم وقتلت وخطفت الآلاف منهم عام 2014، متذرعة بـ “كفرهم” لتبرير أفعالها.
ومع إعلان “قوات سوريا الديمقراطية” عن هزيمة التنظيم، في 23 من آذار، العديد من النساء والأطفال، الذين ذاقوا أهوالًا من العنف خلال سنوات الأسر، عادوا إلى ديارهم وإلى كنف مجتمعاتهم المفجوعة.
يشكل الإيزيديون جزءًا من مكونات الشعب السوري، ويزيدون ثقافته العامة غنىً وتنوعًا، ينتمون إلى العرق الكردي ويتحدثون لغته، ومن أبرز سماتهم:
ديانة لا تعترف بالشر
الديانة الإيزيدية تعود جذورها لآلاف السنين، حسبما قال مدير مؤسسة “ايزدينا” ومدير مجلة “زهرة الزيتون”، علي عيسو، لعنب بلدي، وهي غير تبشيرية، وتؤمن بوحدانية الله.
الإيزيديون لا يعترفون بوجود قوى الشر، ولا الشيطان، وهذا ما سبب إشكالية لدى أتباع الأديان الأخرى الذين اعتبروا اعتقادهم ذاك تكريمًا للشيطان وعبادة له.
تحفظ أجيال الإيزيديين تعرضهم لـ 72 مجزرة عبر التاريخ، ويقول عيسو إن قيام المؤرخين والمفكرين بإطلاق تسمية “عبدة الشيطان” عليهم هو ما أفسح المجال للتنظيم لمهاجمتهم وإشاعة كل ما هو سيئ عنهم.
وأشار عيسو إلى غنى طقوس الإيزيدية الدينية وتنوع ملامح التسامح فيها من الدعاء في أحد الطقوس “يا رب احمِ عبادك ونحن من بعدهم”، إلى طقس الختان الذي يشمل وضع الطفل بحضن شخص من ديانة أخرى وعند بدء عملية الختان ونزول بقعة الدم على المنديل الذي يستخدمه الشخص، يصبح بذلك “أخًا في الدم” ويعامل كفرد من أفراد الأسرة.
قمع وسياسات عنصرية
يتوزع الإيزيديون في سوريا في مدينة الحسكة وقراها وحلب وريفها وكذلك عفرين، ويعانون، بحسب ما قال عيسو، “من مصادرة حقوقهم المدنية والاجتماعية ومن السياسات العنصرية المطبقة بحقهم من قبل الأنظمة المتعاقبة على الحكم في سوريا، إذ اعتمدت هذه الأنظمة سياسة عدم الاعتراف الدستوري بوجود الإيزيديين على أرضهم التاريخية”.
إضافة إلى حرمانهم من قانون للأحوال الشخصية أسوة ببقية الأديان في سوريا، وعدم الاعتراف بشهادتهم في المحاكم والدوائر الرسمية، كما يمنعون من أداء شعائرهم الدينية وإقامة دور عبادة خاصة بهم.
كما يفرض على أبنائهم تعلم الشريعة الإسلامية، في المدارس، ويحرمون من دراسة لغتهم الأم. وأشار عيسو إلى أن ذلك يعد خرقًا للميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي صادقت عليه سوريا عام 2007 والذي ورد فيه: “لا يجوز حرمان الأشخاص المنتمين إلى الأقليات من التمتع بثقافاتها واستخدام لغتها وممارسة تعاليم دينها وينظم القانون التمتع بهذه الحقوق”.
وخلال العقود التي حكم فيها حزب البعث سوريا، لم يُتح للإيزيديين أي فرصة للمشاركة في الحياة السياسية، وقال عيسو إن الحالة ذاتها تتكرر مع معظم أطر المعارضة السورية التي أقصتهم في المفاوضات والمباحثات الدولية وفي مجمل مباحثات جنيف.
وقالت الناشطة الإيزيدية نجبير درباس، لعنب بلدي، إن المجتمع الإيزيدي تمكن من الحفاظ على ثقافته وانتمائه الديني رغم الحظر الذي تعرض له من النظام السوري والاعتداء من الفصائل المتشددة.
احتفالات بجذور تاريخية
يحتفل الإيزيديون بعيد رأس السنة الإيزيدية في الأربعاء الأول من شهر نيسان الشرقي من كل عام (التقويم الشرقي هو تقويم شمسي يختلف 13 يومًا عن التوقيت الميلادي السائد)، حيث يتجمعون لممارسة طقوسهم الدينية المتنوعة، التي تعود أصولها إلى زمن الأكاديين والبابليين والآشوريين.
كما أنهم يحتفلون بالكثير من الأعياد التي ترتبط غالبًا بفترات صومهم المتنوعة، حسبما ذكرت درباس، وأشارت إلى انتشار الثقافة الإيزيدية لدى عموم الشعب الكردي بقولها “قد يلاحظ المرء عادات يمارسها الكرد المسلمون إلى اليوم، في حين تعود جذورها للإيزيديين”.
وقال عيسو إن العلاقة التي تربط الإيزيديين بالمجتمعات المجاورة هي علاقات طيبة وصداقة متبادلة، إلا أن الأفكار النمطية دعت البعض إلى تجنب الاختلاط بهم أو حتى مشاركتهم في الأكل.
مجتمع ينتظر التعافي
وعن حال الإيزيديين اليوم، لا يزال هناك أكثر من ثلاثة آلاف مفقود منهم منذ تعرضهم لهجوم قوات تنظيم “الدولة”، فيما دعته درباس بـ”صفحة سوداء على وجدان الإنسانية”، وأما وضع المختطفات الناجيات فقالت إن عودتهن منتظرة ويتم استقبالهن كشريفات طاهرات من قبل المجتمع.