أحمد، يبلغ من العمر سبع سنوات، أيقظته أمه في الصباح وأمرته بارتداء ملابسه، لكنه لم يرتد حذاءه، فقالت له أمه هل من المعقول أن تذهب إلى مدرستك بدون حذاء؟ ما الذي ترتديه؟! هذه الكنزة الزرقاء غير مناسبة مع القميص الأخضر. ماذا فعلت ببنطالك، لا يمكنك الذهاب ببنطال ممزّق، انتبه عندما تصب العصير، لا تسكبه على الأرض كما تفعل عادةً. أحمد، وبدون قصد، سكب العصير على الأرض، فبدا السخط على أمّـه بعد أن نظفته. وبعد أن جمع أحمد أغراضه وجهز نفسه وهمّ بالخروج، صرخت أمه لقد نسيت سندويشتك، عُـد وخذها، وتصرف بشكلٍ لبق اليوم في المدرسة.
سعيد أيضًا، طفل في السابعة من عمره، بعد أن ارتدى ملابسه ما عدا الحذاء، قالت له أمه لقد ارتديت ملابسك، كل ما بقي عليك هو انتعال حذائك. يبدو أن هناك تمزقًا في بنطالك، هل تريد أن أخيطه وأنت واقف أم تفضل أن تبدّله بعد أن تتناول الفطور؟ أثناء تناول الفطور، سقطت من سعيد فتات طعام، أخبرته أمه، هناك ممسحة للتنظيف في المطبخ، أحضرها ونظف الأرض. بعد أن جهز أغراضه وهمّ بالخروج، نادته الأم لقد نسيت سندويشتك، عاد مسرعًا وشكرها، ودّعته وقالت: أراك عندما تعود بالسلامة إن شاء الله.
هاتان القصتان تحدثان بشكل يومي مع الكثير من الأسر. قد تبدوان متشابهتين، ولكن في الحقيقة هنالك اختلاف جوهري بينهما، فقد تلقى أحمد سلسلة من التنبيهات والنهر والتقريع، في حين أن أم سعيد لم تحط من شأن ابنها وإنما شجعته، حتى عندما ارتكب بعض الأخطاء، على إصلاح ما أفسده، دون أي تقريع.
من المعروف أن الأولاد الذين نشؤوا في أسر تقدّرهم، يشعرون بالرضا عن أنفسهم، ويكونون أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة والوصول إلى أهدافهم ممن لم يتح لهم ذلك. إذ إنه من المنطقي في مثالنا السابق أن سعيدًا يملك احتمالية أكبر بأن يكون قادرًا على المشاركة والتطوع في نشاطات المدرسة وعلى إقامة علاقات ودّية مع أصدقائه. ولكن ذلك لا يعني بالضرورة بأن أحمد سوف يكون طفلًا فاشلًا، فهناك أولاد قد يتجاوزون الاستخفاف والحط من شأنهم في المنزل
ويرتقون إلى قبول التحديات خارج المنزل. إلا أن نسبتهم قليلة مقارنة بالأطفال الذين تلقوا الاحترام لمشاعرهم وتمكنوا من بناء صورة واقعية إيجابية عن أنفسهم.
إن ما يساعد الأهل خلال تربية أطفال واثقين من أنفسهم ومقدرين لذواتهم وقدراتهم هو المديح الذي يتلقونه، إلا أن المديح والثناء يجب أن يكون بالطريقة الصحيحة المقنعة التي تجلب المنافع لطفلهم دون أن تفسد سلوكه.
على سبيل المثال، طفلي قام برسم لوحة ما، أتى وسألني «هل هذا جيد؟» هنا الأم سوف تقول نعم ما أجمل هذا الرسم. ثم يعود ويسأل لكن هل هذا الرسم جيد؟ الأم تجيب نعم إنه جيد، أخبرتك بأنه جميل، لكن الأم هنا لم تتمكن من إقناعه، فأحيانًا المبالغة في الثناء قد تفشل. في هذه الحالة، بدلًا من قول كلمة عظيم أو رائع، فقط قم بوصف ما تراه (مثلًا أن تقول: أرى أنك رسمت هنا دائرة باللون الأحمر وأدخلت ألوانًا أخرى، كيف خطر ببالك أن تقوم بذلك؟ أرى أنك تحاول أن تضيف أشياء جديدة هنا.)
من المهم إيجاد كلمات تخبر الطفل بشيء جديد لم يكن يعرفه عن نفسه، وذلك لكي تعطيه صورة كلامية جديدة عن نفسه. فمعظمنا يسرع في النقد، ويتباطأ في الثناء. كل ما عليك القيام به هو وصف ما تراه (مثلًا: أرى أن ألوانك في علبتها، ودفترك في مكانه)، أو صف ما تشعر به (أنا سعيد أنك تمكنت من القيام بذلك)، وصف سلوك الطفل الذي يستحق المديح (هذا ما أدعوه بالتنظيم).
يجب الانتباه إلى أن الثناء يجب أن يتناسب مع عمر الطفل، وابتعد عن المديح الذي يلمح إلى ضعف أو فشل في الماضي. وابتعد عن قول كلمة (كنت أعرف أن بوسعك القيام بذلك) لأنك بهذه الطريقة تعطي لنفسك شرف المعرفة الكاملة أكثر من كونك تثني على إنجاز طفلك. كما أنّ الحماسة الزائدة أيضًا يمكن أن تؤثر في رغبة الطفل في إنجاز أمرٍ ما بمفرده، فأحيانًا تعتبر الإثارة الزائدة المستمرة عند الأهل والسرور البالغ بنشاطه ونجاحه نوعًا من الضغط على الطفل، لذلك وجب استعماله بحذر.
وأخيرًا، قد يتفاجأ المرء من مدى حساسية الطفل لكلمات قد نعتبرها من المسلمات، ولكن كما أسلفنا، يجب الانتباه دائمًا للطريقة التي نمدح فيها الطفل، فالمديح، إن استخدم بطريقة صحيحة، غالبًا ما يكون دافعًا للأولاد إلى مزيد من التعاون مع الأهل، وإلى مزيد من الجدّ في العمل أكثر من ذي قبل.