جريدة عنب بلدي – العدد 28 – الأحد – 12-8-2012
يشكل الاستقرار بكل أشكاله السياسية والأمنية والإقتصادية، إلى جانب توفر البنى التحتية والقوانين الضابطة للاستثمار، العامل الرئيسي في جذب الاستثمارات الخارجية والمحلية.
سعت الحكومة السورية منذ التسعينيات من القرن الماضي لجذب الاستثمارات من خلال إصدار عدة قوانين وتشريعات لتشجيع وجذب الاستثمار ومحاولة توفير البيئة المناسبة والجاذبة له، ورغم كل الجهود المبذولة لجذب الاستثمارات فلم تتجاوز حصة سوريا نسبة الـ 2.6% من الاستثمارات البينية العربية عام 2007.
وفي ظل الظروف التي تعيشها سوريا اليوم من حرب يشنها النظام على شعبه، لم يعد هناك مجال للحديث عن جذب الاستثمار، وإنما بات الحديث، مع فقدان الليرة السورية 50% من قيمتها، عن كيفية الحفاظ على مدخرات الناس من خلال تحويلها إلى عملات أجنبية أو شراء الذهب. فمنذ بدء الأزمة، قام العديد من رجال الأعمال بإخراج أو تهريب أموالهم خارج سوريا عن طريق لبنان أو الأردن إلى العديد من الدول العربية والأجنبية!! فقد كشف تقرير مصرفي نشره موقع العربية نت في 8 آب/أغسطس 2012 عن خروج حوالي 10.5 مليار دولار منذ بدء الأحداث في سوريا. وأشار التقرير إلى أن احتياطي المصرف المركزي من العملات الصعبة سينحدر إلى 1.1 مليار دولار مع نهاية العام الجاري (وهو رقم غير كافٍ لتغطية شهر واحد من فاتورة الاستيراد) بعد أن كان حجم الاحتياطي يقدر بـ 18 مليار دولار ما قبل اندلاع الأزمة منتصف مارس من العام الماضي2011، وهذا ما يقلص تباعًا قدرة الدولة على استيراد مواد أساسية من جهة، ويزيد من ضعف سعر صرف الليرة السورية من جهة أخرى.
على الطرف الآخر من الصورة، نلاحظ أن الحكومة السورية مازالت تعزف لحنًا منفصلًا عن الواقع وما يجري في سوريا!! فقد صرح مدير عام هيئة الاستثمار عبد الكريم خليل لجريدة الثورة في 31-7-2012 عند سؤاله عن واقع الاستثمار في ظل الأزمة، فكان جوابه بأن «هناك استثمارًا في ظل الأزمات، وهذا ما يسمى الاستثمار في الأزمات!! والأزمات تخلق جبهات عمل وفرص عمل جديدة قد لا تكون متوفرة للمستثمرين». واستثمار الأزمات هذا يخلق أعمالًا ويستنبط فرصًا في ظل الأزمات لا تكون متوفرة في غيابها. فمثلًا «عندما تكون هناك عقوبات على سوريا ستضطر للاعتماد على مواردها المحلية، وهذا يعني أن تظهر استثمارات محلية تستثمر هذه الموارد المحلية الطبيعية والبشرية بالشكل الأفضل لكي تكون بدائل عن المستوردات».
لكن يبدو أنه فات السيد خليل أنه لم يعد هناك موارد محلية تقوم بهذا الدور في ظل الحصار الاقتصادي المفروض على سوريا، وتجاهل أيضًا عامل عدم الاستقرار السياسي وحالة الحرب التي تعيشها سوريا ودورها في طرد ليس فقط رؤوس الأموال بل الأرواح أيضًا. فالسيد خليل لم يقرأ أن حجم الاستثمارات الأجنبية الوافدة تراجع بشكل حاد ليصل إلى حدود 100 مليون دولار فقط هذا العام2012، مقابل 600 مليون دولار في العام الماضي 2011. وذلك انحدارًا من 1500 مليون دولار سجلتها في عام 2010.