ما نزال نتلمس في عتمة الليل تباشير النهار

  • 2015/03/08
  • 12:37 م

 

هي فوضى، عاصفة من التناقضات، وربما الهلوسات، انتابتني على أعتاب السنة الخامسة من عمر الثورة. خليط من صور متنافرة متلاحقة، مواقف مضحكة تبدّدها ويلات المحرقة، انتصارات وانكسارات، مظاهرات فدبابات فطائرات، ورود وغناء ورقص، دعس ورفس وقنص. وجدت نفسي أعبس ثم أبتسم، أضحك فأتجهم، أقررت في النهاية بحاجتي إلى شرطي مرور ينظم تشويش أفكاري المتزاحمة، يبدد فوضى مشاعري المتلاطمة.

جلّ ما استقر في ذهني أخيرًا فاجعة الكيماوي، تربعت في ذاكرتي التسجيلات المصورة تتزاحم تباعًا تفضح وقائع المجزرة. تسجيلات ترتص في مشهدها المهيب جثث الشهداء، تختلط فيها اختلاجات الأجساد بالصياح والبكاء، تسجيلات يمتزج فيها سكون الأموات بصراخ الأحياء، يصارع شبح الموت فيها إرادة البقاء.

ولا يغيب عن فكري أيضًا كيف بلغ الاستخفاف حينها بآدميتنا حد الإسفاف، يوم شرعت فضائياتنا الموقرة بالنباح والثرثرة، فراحت تستحضر معزوفة المؤامرة على دولة الصمود والتصدي وما جاراه من «العلاك المصدي». مازلت أذكر كيف استنجدت بأحد نزلاء مشفى الأمراض العقلية لإعداد سيناريو مسرحياتها الخرافية. ما زالت تستوطن مخيلتي إطلالة «المعلم» المكوكية… «المعلم» الذي تلا على أسماعنا مقدمات عبثية قبل أن يبصق في وجهنا تحليلات نظامه الجهنمية. إنها الدول الغربية هي الفاعل، هي القاتل، هي من زود المجموعات الإرهابية بمركّبات المواد الكيميائية.

تساؤلات كثيرة تصارعت في عقلي المشوش الممزق عقب مؤتمر ذلك المتحذلق الأخرق. من أين أتى هذا المأفون بكل هذه الترهات؟ في أي حظيرة طبخت هذه التفاهات؟ كيف قيّض الله للشعب السوري محققًا فذًا على شاكلة توغوموري؟

أعترف أني فكرت بالهرولة إلى المختار لأغير فصيلتي، أن أندس بين الأبقار وأنعم بفصّتي. كيف لعاقل إذًا أن يبتلع هكذا قصة؟ كيف لآدمي أن يرددها دون أن تخنقه الغصة؟ هي حبكة تحتاج رأسًا أجوف كالطبل، تحتاج كائنًا بهائميًا يقطن الإسطبل، هي وصفة تحتاج بلا منازع تركيبة الفصّة.

والمؤلم اليوم، وبعد أربع سنوات تجرّعنا فيها عبث استجداء إنسانية «عالم متحضّر» ابتلع مذبحة بلا دماء على أجساد الضحايا، بلا أشلاء بعثرتها الشظايا، بعد أربع سنوات تشربنا فيها موجبات الحفاظ على طاغية ارتكب أفظع الموبقات والآثام، طاغية حلم شعبه يومًا بالحياة فحكم عليه بالإعدام، المؤلم أننا أدركنا أن محنة شعبنا في جلاده من أشد المحن، محنة اختزال الوطن في شخص سيد الوطن، محنة احتلال آدميتنا بداعي الأمن، محنة اعتزال العالم استحقاقاته في جحيم مأساة القرن.

لكننا، وبرغم اعتبارنا تفاصيل مهملة في لعبة الكبار، برغم دمائنا التي سالت، برغم الدمار، ما يزال يحدونا الأمل بالانتصار، ما نزال على موعدنا مع الشمس، لن نملّ الانتظار، ما نزال نتلمس في عتمة الليل تباشير النهار…

مقالات متعلقة

قراء

المزيد من قراء